-A +A
أحمد عجب
شكرا لكل الجهات الأمنية والمدنية المشاركة في إدارة الحج وتنظيم الحشود والتفويج، بداية من صعيد عرفات ومرورا بمزدلفة ومنى وانتهاء بطواف الزيارة ورمي الجمرات، شكرا؛ ليس لأنكم بيضتم وجوهنا أمام الحجاج خاصة ودول العالم عامة على جهودكم الجبارة، بل لأنكم أنقذتمونا نحن الكتاب من متلازمة النقد التي أصابتنا، حيث خلقتم أمامنا الإجابة الشافية والوافية لسؤال لطالما وجه إلينا بعد كل مقال: يعني أنتم ما يعجبكم شيء في بلادنا؟!

إذا كان (من حج ولم يرفث ولم يفسق، خرج كيوم ولدته أمه)، فإن الجهات المعنية تغتسل تماما من أوجه القصور التي تصاحبها طوال العام بفعل أدائها المتميز في موسم الحج والذي يشفع لها ما تقدم من أخطائها وما تأخر.


هل نحن على أعتاب طوكيو أم نحن على مشارف برلين، ما هذا التنظيم الدقيق والفريد من نوعه لمليوني ونصف حاج في هذه البقعة المحدودة، هل لمستم التغطية الأمنية والصحية والبلدية بنقاط التفتيش المؤدية للمشاعر المقدسة، هل رأيتم اصطفاف الحجاج على بوابات القطارات والباصات، هل شعرتم بعظم إنسانية ذلك الجندي المتحضر وهو يخلع نعاله ليلبسها بنفسه لتلك الحاجة حتى يقي رجلها الحافية من حرارة الأرض ويتجرع الألم بدلا عنها، من منا لم يعلوه الفخر وعزة النفس برجل الأمن الذي يربت على ظهر ذلك الطفل ويرضعه لتتفرغ أمه للطواف، أو ذلك الكشاف الذي يقود عربة تلك الحاجة المقعدة لتكمل مناسكها بكل يسر وسهولة وهي تشد على يده، أو أولئك الجنود البواسل الذين حملوا تلك الحاجة لتتمكن من رمي الجمرات بنفسها.

من منا لم يسمع عبارات الشكر والثناء الموجهة لملكنا الغالي خادم الحرمين الشريفين (حتى من مواطني أكثر الدول عداء لحكومتنا) مثمنين له الاستعدادات التقنية الكبيرة والجهود البشرية المبذولة التي يسرت لهم فريضتهم، لقد صنعنا كل هذا العمل الجبار والمتقدم بأيادٍ سعودية خالصة، صنعناها بأبناء المخلصين حين حفزناهم ومنحناهم الثقة الكاملة، صنعناها بعيدا عن أشراف أولئك المديرين الوافدين الذين اعتادوا أكل جهود أبنائنا العصاميين معنويا وماديا ليسلبوا منهم الترقيات والعلاوات وأرباح آخر العام.

بهذه السواعد الوطنية المتفانية وبهذا النجاح المبهر لحج عام 1439 هجرية نقف الآن (على أعتاب طوكيو) حيث تنتظرنا حضارة كبيرة، سنعيد بفضلها أمجاد واختراعات العلماء المسلمين، وسندون من خلالها اسم بلدنا الغالية في مصاف دول العالم المتقدم، وسوف لن نجد نحن الكتاب جهة ننتقدها لأن كل شيء من حولنا يعجبنا.