-A +A
طارق فدعق
المقصود هنا السلوكيات التي لا تخضع للتفكير بالشكل الكافي واللائق بمكانتها وتأثيرها... وما أكثرها. وبدون الإطالة اخترت لكم الأمثلة التالية، وسأبدأها بنفسي: كانت مرحلة دراسة الماجستير في الولايات المتحدة من أصعب مراحل حياتي، وكانت معاناة هائلة دامت لفترة سنتين ولكنها بدت وكأنها خمسين سنة. وقبل التخرج مباشرة، تلقيت دعوة من أساتذتي لإلقاء كلمة في مناسبة ما قبل التخرج. وقفت أمام المنسوبين والزملاء وشكرت الجامعة على إتاحة الفرصة التعليمية الرائعة، وتحدثت عن توقعات التحديات أمامنا كطلاب. وقبل أن أنهي حديثي تعرضت لموقف ذكرني بعظمة ألطاف الله عز وجل. كنت على وشك أن أتقدم بالتهنئة لأحد كبار أساتذتنا بمناسبة حمل زوجته كما ظهر من شكل بطنها التي كبرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ولكن الله ستر على لقافتي بكرمه، ولم أذكر ذلك. وعلمت بعد ذلك أنها لم تكن حاملا، وأن سبب التغيرات الجسمانية ربما كان اكتشافها لمحلات «دونات» جديدة غزت المدينة التي كنا نسكن فيها. ولو تفوهت بالتهنئة عن الحمل، كانت ستكون لقافة محرجة لي ولأستاذي وزوجته، والحمد لله على ألطافه التي لا تعد ولا تحصى. وهناك أمثلة أعظم شأنا لدرجة أنها غيرت مجرى التاريخ ومنها واقعة «وثيقة السلام لزماننا» التي وقع ضحيتها رئيس وزراء بريطانيا «نيفيلتشامبرلين» قبل قيام الحرب العالمية الثانية بسنة كاملة. وتدور أحداثها حول النزاع بين ألمانيا وجمهورية تشيكوسلوفاكيا بشأن إقليم بينهما اسمه «سودنت لاند»، وكانت تسكنه مجموعات عرقية ألمانية تقدر بأكثر من مليوني إنسان. وكان هتلر يرغب ضم ذلك الإقليم لألمانيا ولو بالقوة. والمشكلة أن تشيكوسلوفاكيا كانت رافضة للمبدأ تماما. وكانت موقعة اتفاقية دفاع مشتركة مع فرنسا، وفرنسا كانت موقعة اتفاقية دفاع مشتركة مع إنجلترا. يعني لو قامت ألمانيا بعمليات عسكرية لاسترداد أراضي «السودنت» فكانت ستكون «خبيصة» عسكرية كبرى بين الدول الأوروبية. وحرص رئيس الوزراء الإنجليزي إلى الذهاب شخصيا لمقابلة هتلر في «ميونيخ» لتهدئة الوضع. وتقابلا فعلا في نهاية سبتمبر 1938، وخرجت اتفاقية للسلام بينهما لضمان عدم التدخل العسكري. وفور عودة طائرة رئيس الوزراء البريطاني إلى لندن، رفع ورقة اتفاقية السلام مع هتلر فوق رأسه بكل اعتزاز، وأعلن أنها تمثل وثيقة «السلام في هذا الزمان». ولكن بعدها بأيام قلائل قامت القوات النازية باحتلال تشيكوسلوفاكيا بأكملها، وليس الإقليم المتنازع عليه فحسب. وهذه الواقعة التاريخية تستخدم كإحدى أقوى الأمثلة على اللقافة السياسية لأن رئيس الوزراء البريطاني كان مفروضا أن يعرف أن هتلر «مبيت نية الغزو» لأوروبا بأكملها، وليس فقط لإقليم «السودنت» في تشيكوسلوفاكيا. والدليل أنه بعدها «مرمش» الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى: النمسا، وبولندا، وبلجيكا، وهولندا، وفرنسا، وغيرها فلم يترك الأخضر أو اليابس، بل وحاول احتلال إنجلترا والاتحاد السوفيتي.

أمنيــــــــــــة:


شعرت بالحزن الشديد مؤخرا تجاه لقافة وزيرة

خارجية كندا نحو وطني ووطنها. كانت العلاقات بيننا وبين كندا ممتازة في جميع المحاور: السياسية، والتعليمية، والصحية، والتجارية، والأهم من كل ذلك الإنسانية. وعبر السنين كونت شخصيا مجموعة صداقات مع نخبة من أعضاء البرلمان الكندي الذين يحبون وطني ويحترمونه. وفجأة أتحفتنا الوزيرة بالتغريدة الملقوفة لتغير ما تم بناؤه على مر عشرات السنين. أتمنى أن تقوم السلطات الكندية بترميم العلاقات من خلال سياسة مسؤولة تحترم سيادة ومصالح الجميع. والله الموفق والهادي

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي