آل الشيخ أثناء خطبة يوم عرفة
آل الشيخ أثناء خطبة يوم عرفة
-A +A
واس (عرفات)
توافدت جموع غفيرة من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة في مشعر عرفات اليوم لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً؛ اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة.

وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.


وتقدم المصلين مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل ومفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، حيث ألقى إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، خطبة عرفة -قبل الصلاة- استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.

وأثنى آل الشيخ على الله سبحانه وتعالى على ما تفضل به على العباد بأنواع الأرزاق والدلالة على أفضل الأخلاق، موصياً بتقوى الله والاستجابة لأوامره وتعليق القلوب به سبحانه محبة وخوفاً ورجاءً، مؤكدا أن من اتقى الله أفلح وفاز في الدنيا والآخرة، وأن من اتقاه هدي إلى الحق، مستدلا بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» وبقوله في كتابه الكريم «وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وبقوله عز شأنه «الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ» وبقوله جل وعلا عن إبراهيم عليه السلام «وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».

وأشار إلى أن من تقوى العبد لربه أن يوحد الله جل وعلا في عبادته وأن لا يصرف شيئاً من العبادة لغير الله، كما قال الله سبحانه وتعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» وقال «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» وقال عز وجل «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ».

وأكد آل الشيخ في خطبته أن طاعة ولاة الأمور لها أثر عظيم في حفظ النظام العام، وأن الإسلام يحفظ المصالح ويدرأ المفاسد ويدعو إلى عمارة الكون ونفع الخلق.

وأضاف: لن تتمكن أمة من تشكيل مواطنين صالحين إلا في زراعة الأخلاق في نفوسهم، وصورة الإسلام الحقيقية تشتمل على أعلى الأخلاق وأحسن التعاملات.

وحث خطيب يوم عرفة الحجاج على الإكثار من الدعاء لله والابتهال إليه وطلب المغفرة، فإن هذا اليوم من مواسم التوبة ومن مواطن المغفرة، داعياً إلى مراعاة الضوابط الأخلاقية في التعاملات المالية.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ «جميع الأنبياء والرسل جاؤوا بالتوحيد وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء محمد -صلوات الله عليهم أجمعين-، فكل الأنبياء يقولون لأقوامهم (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ)».

وأشار إلى أن الله جعل العاقبة الحميدة لأهل التوحيد واتباع الرسل، وجعل العقوبة على من خالف طريقهم كما ورد ذلك في كتابه الكريم «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ».

وأكد أن هذا هو التوحيد الخالص الذي دعا اليه الأنبياء بإفراد الله بالعبادة وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، كما قال الله جل شأنه «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»، وقال جل وعلا «قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ»، وقال عز وجل «وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ، وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ».

وبين الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ أن الفوز والنجاة يحصلان بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله مع شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يطاع أمره ويصدق خبره ولا يعبد الله إلا بما جاء به.

وقال «إن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الظلالة إلى الهدى، قال تعالى»وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ«، وقال جل وعلا»يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا".

وأضاف «إن الله سبحانه وتعالى بشر المؤمنين بالفضل الكبير بقوله جل وعلا (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)».

ولفت النظر إلى أن الإيمان مبني على أركان فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره»، كما ذكر أركان الإسلام بقوله «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».

وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن الصلاة من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين حيث إنها هي العمل الذي يدل على الإسلام، وهي الصلة بين الإنسان وربه وهي التي يناجي فيها العبد إلهه وخالقه سبحانه تعالى كما ذكر ذلك الله جل شأنه في كتابه «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»، وقوله سبحانه وتعالى «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا»، وقوله «وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ».

وحث المصلين على أداء زكاة الأموال مرضاة للرب ومواساة للفقراء ومساهمة في المنافع العامة المذكورة في مصارف الزكاة كما أمر الله بذلك في كتابه الكريم بقوله «وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»، وبقوله جل شأنه «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».

وحث إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ حجاج بيت الله الحرام على وجوب تقوى الله تعالى والحرص على أداء نسك الحج على أفضل وجه مستدلاً بقول الله تعالى «فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، داعيا الجميع إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لتأخذوا عني مناسككم»، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع العبادات والسير على هديه وطريقته، حيث رتب الله سبحانه على ذلك محبته بقوله تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» وقوله في كتابه الكريم «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا».

وقال آل الشيخ «لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على أكمل الاخلاق وأفضل الآداب، كما وصفه ربه جل وعلا بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وبقوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ)، ووصف أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها لخلق النبي عليه أفضل الصلاة والسلام»كان خلقه القرآن".

وأكد أن الإسلام يحفظ المصالح ويدرأ المفاسد ويدعو إلى عمارة الكون ونفع الخلق، ويقرر مبدأ التآخي بين المسلمين، ونشر الرحمة والمودة فيما بينهم، والحث على نشر الخير والمعروف والبذل والعطاء والكف عن ظلم الناس، وترك العدوان عليهم.

وقال «لقد كانت أمة الإسلام أمة واحدة تجتمع على الهدى معتمدة على الكتاب والسنة بعيدة عن الأهواء والبدع سامية عن الشقاق والبغضاء تتجه إلى رب واحد سبحانه، وتتبع نبياً واحداً عليه الصلاة والسلام، وتهتدي بكتاب واحد وهو القرآن العظيم وتصلي إلى جهة واحدة وهي الكعبة المشرفة، وتحج إلى بيت واحد وتؤدي نسكاً واحدًا وتتناصر بعدل ورحمة وتكامل».

ولفت إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف النظر إلى أن مما حثت عليه الشريعة من الأخلاق، اختيار الأقوال الجميلة والألفاظ الحسنة، كما أمر بذلك الله في كتابه الكريم «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ» وقوله سبحانه «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا».

وقال «إن مما جاءت الشريعة الإسلامية به هو الترغيب في صدق الأقوال والأفعال كما قال الله في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، كما جاءت الشريعة بالأمر بالوفاء بالعقود والعهود عملا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)، وبقوله سبحانه (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)».

وأضاف «إن الله سبحانه وتعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين والقرابة والجيران كما ورد في كتابه الكريم (اعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) وقوله جل شأنه في حق الوالدين (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا».

وأكد الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ أن الله سبحانه وتعالى أمر بحسن العشرة بين الزوجين بقوله عز وجل «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»، وأن مما جاء في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة قوله «واستوصوا بالنساء خيراً»، مشيراً إلى أن الشريعة الإسلامية أمرت بالأحسان إلى الخلق والعدل بينهم حيث قال عز وجل «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» وقوله سبحانه «إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».

وبين الدكتور حسين آل الشيخ أن الله عز وجل نهى عن الغش وتخفيف المكاييل فقال «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ» وأمر بالمحافظة على الأمانات وأدائها إلى أهلها فقال جل وعلا «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ».

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف "إن الله أثنى على المؤمنين بقوله سبحانه (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، كما أثنى على أهل الإيثار بقوله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وأثنى على أهل الصدقات والنفقات في سبيل الخير بقوله جل شأنه (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

وتطرق إلى ثواب أهل الأخلاق الفاضلة في القرآن حيث قال عز وجل «سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».

وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن الله تعالى فتح لعباده باب التوبة ليتجاوز بفضله عن ذنوب العباد كما ذكر ذلك في كتابه العزيز «إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»، وبقوله كذلك في كتابه الكريم «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى».

وقال «إن يومكم هذا أيها المسلمون من مواسم التوبة ومواطن المغفرة فلقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى لله عليه وسلم قال (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة) كيف لا وهذا يوم عظيم أنزل الله فيه قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) فعندها كملت الأخلاق وتمت الشريعة المشتملة على الفضائل العالية والمحاسن الشريفة».

وحث الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، المسلم على النظر في سورة الحجرات حيث نهى الله فيها عن تصديق الشائعات وأمر بالإصلاح بين المتخاصمين ورد الباغي عن الحق ونهى عن السخرية بالخلق والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والغيبة والتكبر.

وقال «العالم أجمع مدعو إلى مراجعة القرآن الكريم ليتعرف على أعلى درجات الأخلاق، كما قال الله سبحانه (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وكذلك ما جاء في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله)»، مشيرا إلى أن مما دعا إليه الله في كتابه اجتماع كلمة المسلمين والحذر من البغي والخداع والخيانة وأخذ العظة والعبرة لمآلات ما سبق من الخونة والظالمين.

وأكد الدكتور حسين آل الشيخ أن مراعاة الضوابط الأخلاقية الإسلامية في التعاملات المالية يسهم بازدهار التجارة وينمو به الاقتصاد لبناء ثقة الناس بعضهم بأخلاق بعض، ولذلك جاء تحريم الغش والربا وأكل أموال الآخرين بالباطل والقمار والميسر، مشددا فضيلته على ما أمر الله به من توثيق الحقوق.

وقال «إن مما أمر به الشرع مما له صلة بالأخلاق طاعة ولاة الأمور لما له من أثر عظيم في حفظ النظام العام، حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، فتلتزم الأمة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتجتمع تحت رآية قادتها وولاتها بعيدة عن المنازعة والمنابزة، مؤدية الواجبات ومنتهية عن المخالفات، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، وكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس، فتنال ما وعد الله به من النصر والرزق والخير والاجتماع بعيدًا عن لوثات الفتن ودعاتها، مهما تلونوا وتقلبوا».

ولفت الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ النظر إلى أهمية الحفاظ على الأخلاق في جميع البقاع وخصوصاً في هذه البقاع المقدسة، وأنه ليس من الخلق الفاضل جعل موسم الحج موطناً للشعارات أو المظاهرات أو الدعوة إلى الأحزاب والحركات، مبيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد في خطبة عرفة أن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميه.

ودعا العالم أجمع إلى الالتزام بالأخلاق التي تهيئ أحسن السبل للحياة والعيش الكريم، حاثا قادة الأمة وعلماء الشريعة والمسؤولين والمربين والآباء والأمهات والإعلاميين على إعطاء موضوع الأخلاق ما يستحقه من أهمية، وتربية النفوس عليه وجعل النفوس تستشعر مراقبة الله تعالى، وترتبط بالقرآن الكريم والسنة النبوية وترجو حسن العاقبة في الدنيا والآخرة عند تمسكها بالأخلاق الفاضلة.

وقال «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة، وأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر مقصورة ركعتين، ثم أقام فصلى العصر مقصورة ركعتين، ثم وقف في عرفة على ناقته يذكر الله جل وعلا يدعوه حتى غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة، وكان يوصي أصحابه بالرفق ويقول يا أيها الناس عليكم بالسكينة والوقار، فإن البر ليس بالإسراع، فلما وصل مزدلفة صلى المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين جمعًا وقصرًا، وبات بمزدلفة وصلى الفجر بها في أول وقتها، ثم دعا الله».

وأضاف «إن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب بعد ذلك إلى منى فرمى جمرة العقبة، بعد طلوع الفجر بسبع حصيات، ثم ذبح هديه وحلق، ثم طاف طواف الإفاضة وبقي في منى أيام التشريق يذكر الله عز وجل ورمى الجمرات الثلاث بعد الزوال ودعا عند الصغرى والوسطى ورخص لأهل الأعذار في ترك المبيت في منى».

وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المكث بمنى إلى اليوم الثالث عشر وهو الأفضل، وأجاز التعجل في الثاني عشر، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما فرغ من حجته وأراد السفر إلى المدينة طاف بالبيت.

ونبه الحجاج إلى أنهم في موطن شريف وزمان فاضل ترجى فيه مغفرة السيئات وإجابة الدعوات، مشيرا إلى أن محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام أفطر يوم عرفة في حجه ليتفرغ للذكر والدعاء.

وأوصى الشيخ حسين آل الشيخ ضيوف الرحمن بالإكثار من الدعاء لهم ولمن يحبون وللمسلمين عامة بأن يصلح الله أحوالهم ويجمع كلمتهم على الحق، وقال «لا تنسوا الدعاء لمن أحسن إليكم كما ورد ذلك في حديث النبي عليه الصلاة والسلام (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ)».

وأضاف «إن من الإحسان للمسلمين القيام بخدمة الحرمين الشريفين والسهر على راحة ضيوف الرحمن، وفي طليعتهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين فأدعوا الله لهما».

وسأل فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ويؤيده وينصره ويعينه على كل خير، وأن يجزيه الله خير الجزاء على ما يقدمه من الخير والإحسان، وأن يبارك لولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ويشد به عضده ويجعله سبب خير للأمة كلها.

ودعا الله تعالى أن يتقبل من الحجيج حجهم، وأن ييسر لهم أمورهم وأن يكفيهم شر من أراد بهم سوءاً، وأن يعيدهم لبلدانهم سالمين غانمين، وقد غفرت ذنوبهم وقضيت حوائجهم، وأن يغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وأن يؤلف ذات بينهم ويصلح قلوبهم وأن يتولى شأنهم وأمنهم في أوطانهم ويهديهم لأحسن الأقوال والأعمال.