-A +A
علي بن محمد الرباعي
وقف عميد المجاودين بعد صلاة آخر جمعة من شوال، وقال للمصلين: يا لقاة الخير، اللي عازم منكم يطلع معنا طلعة الحج يبلّغني ويطرّف ريال فضة، منها أجرة الزاملة، ومصروف الطريق. تلافت الجماعة بعضهم في بعض، وقال أحدهم: رُحْ بيتك ويجيك علمنا قبل ما تغرب شمس اليوم.

توافد الراغبون في الطلعة على بيت العميد، كان يتأمل الرجال من رأسه حتى قدميه ويقوم بتوزيعهم حسب طول وعرض وعضلات كل واحد منهم، إنته عند..، وإنته عند..، وإنته عند...، وإنته مع...، وكل يحفظ اسم عمه اللي بيشتغل عنده لخدمة الحجاج من نصب الخيام إلى إعداد الوجبات، إلى ترتيب الفرش وأسرّة النوم وكل وشطارته في كسب الأجرة وجمع البخشيش.


قالت زوجة (محماس): والله لو غديت معهم للحج يا العطوي وخليت بيتك مجهّى ما أقعد لك في ذمة، فسألها: كيف أعبأ وآخي ملزّم عليّه أطلع معه بالطلعة عشان نعتقل بلادنا اللي تشروها الجماعة من آبي الله واليها، قالت: أخوك بنى البيت ثلاث علالي، وخلاك في السافلة. نَشَدَها: وش تشورين على محماس يا مزيونة، فقالت: دقّ مسمار في رجل جملك قبل ما تشدّ رحله، وفِي الطريق بيكرع الجمل، وتعذر به وعوّد عليّه.

مع خروج الركب من آخر بيوت القبيلة قال محماس لأخيه (حمسان) أنا بأرجع. سأله: كيف. فقال جملي يضلع والله ما يغديني شرهة بين الجمالة، وأنت ياخه فيك باب السداد وأنا بأقعد عند حلالنا وحلايلنا حتى ترجع بالسلامة.

عاد وبدأ يرتب لرفع بيته أربع طباق ويتجاوز بيت أخيه بطابق على الأقل، كونه مغبوناً معه طول عمره، وكرّه كرّ الحمار من طفولته، وزوجته تنفخ في كير مشاعره لينافس حمسان على المراجل ويتفوق عليه، وتردد (هو أحسن منك فيش يا سبع الفيّه).

قضى المجاودون أيام الطلعة وتحاسبوا من أعمامهم ومن شدة الحرص على الأجرة حولوها لجنيهات ذهب وابتلع كل منهم جنيهاته خوفاً أن يسلبها منهم قطاع الطريق. وصلوا لأهلهم سالمين غانمين ولكن تنغّص (حمسان) يوم شاف بيت أخوه أعلى من بيته رقد ذيك الليلة وكانت رقدته اللي ما قام منها.. علمي وسلامتكم.