ابن حميد في متحف الدكتور محمد آل زلفة عن المئوية وخلفه ابنه أحمد .
ابن حميد في متحف الدكتور محمد آل زلفة عن المئوية وخلفه ابنه أحمد .
-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@

كان الصديقان القريبان من الأديب محمد بن عبدالله الحميّد قبل رحيله هما الكتاب والراديو بعد تسع سنوات من المرض الذي بدأ يعاني منه، ولكنه لم يستسلم له كما يؤكد ذلك ابنه الدكتور أحمد الحميّد وظل يغالبه بروح متفائلة وهمة عالية يحرص فيها على ممارسة برنامجه اليومي، من تردد على مسقط رأسه حيث مزرعته الأثيرة وفتح باب بيته لمحبيه يتجاذب معهم أطراف الحديث وطريفه ولذائذ الذكريات وخالص النصح ويختلي بعد ذلك مع صديقيه اللذين لا يفارقانه الكتاب والراديو، وحين يقوى عليه المرض ويضطرون إلى دخوله المستشفى فلا يعني ذلك إلا فرصة لمزيد من القراءة للصحف والكتب واتصالاته بمحبيه ليطمئنهم على صحته، مخبرا أنه في استراحة محارب مستعجلا الخروج ليعود زارعا روح التفاؤل مبغضا التشاؤم والمتشائمين وزارعي الكآبة لمجرد الكآبة .

ويضيف أحمد أن أباه كان يجمع خلص محبيه لزيارات إكرام وتكريم في مجالس حافلة لا يريد أن يغيب عنه واجب أو أن يحصل منه تقصير في إكمال شأن بشخصية قوية وروح أبويه، فلم يكن يرضى لهم الركون إلى الكسل أو قصور حتى عندما عجز عن الكتابة بيده وضعف بصره عن القراءة كان يملي عليهم مقالاته ويقرأون عليه عناوين الصحف ومقالات بعض الكتبة، مستفسرًا عن آخر أخبار وسائل التواصل الاجتماعي ثم يتذكر محبيه فيصلهم برقيق العبارات وكريم الهدايا يتحامل على نفسه كل يوم ليشرف على أعمال مزرعته التي عمّرها وأعاد إحياءها وربما خرج من جلسات الغسيل إليها .

ويؤكد أحمد الحميد على أنه كان يتجرأ على أبيه بعد أن رأى جسده الواهن الذي حطمه السن وتسلط عليه المرض ومصيبة فقده لولده وزوجه في عام واحد فيدعوه إلى رحمة جسده ولكنه كان يجيبه بقوله : "يا بني خلقنا في الأرض لعمارتها والمنية آتية لا محالة وستأتيني ماشيا أو راكبا أو نائما أو جالسا أو على أي حال أسأل الله حسن الختام والحياة نعمة فعشها حتى ولو بقي لك ساعة من عمرك".

ويضيف أن أباه كان يتعجب منه وهو الذي يدرس لطلبته الحديث بقوله : ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم " إن قامت الساعة وفِي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها "، أن يصدر منك هذا الكلام جواب مفحم يصدقه الواقع العملي الذي أراه والفهم للدين بلا تكلف ولا تقعر هكذا كان مُذ تفتحت عيناي على الدنيا حتى اللحظات الأخيرة ونحن نردد عليه الشهادة فيلتفت إلينا بنظرة المنكر ثم يهز رأسه كأنه يقول لا أحتاج من يذكرني فما تقولونه أنا الذي أذكركم به ثم نسمع صوته الذي ذوى يرددها هكذا رأيت بأم عيني حقيقة قولهم الشجر يموت واقفا".

ويؤكد أحمد أن أباه كان ينظر إلى موعد لحظة مفارقته الدنيا عندما أملى عليه مقاله الأخير آخر شهر رمضان ثم قال له في شهر ذي الحجة إن شاء الله سأتوقف عن الكتابة ولم تنقض منه ليلتان حتى جف المداد وترجل الفارس عن صهوة الجواد ولوح بيده له أن وداعا !.