-A +A
أحمد عجب
فقدنا خلال السنوات الأخيرة، شبابا وبنات في عمر الزهور، كانت الابتسامة الجميلة لا تفارق محياهم حتى آخر لحظة من حياتهم، كانت معنوياتهم مرتفعة لأبعد مدى، بالرغم من آلام السرطان المبرحة ومضاعفات الجرعات الكيماوية الحارقة، لقد نسيوا أوجاعهم وانشغلوا ببث الفرح والتفاؤل لكافة شرائح المجتمع، حتى نسينا نحن بالمقابل أنهم مرضى يرقدون على الأسرة البيضاء منذ أشهر طويلة، لهذا يقع خبر وفاتهم كالصاعقة علينا، فهل تم التغرير بهم من خلال حكم ووصايا طبية عفى عليها الزمن؟!

أغلب الذين نعرفهم وأطلق عليهم اسم (محاربي السرطان) رحلوا عن عالمنا، فهل يعي الأطباء هذه الحقيقة، ويعيدون أبحاثهم ووصفاتهم التي ينصحون فيها بالظهور والابتسامة، ذلك أن المريض أشبه بالجرح لا يصح أن يترك مفتوحاً دون ضماد وإلا أصابه القيح والبكتيريا!؟


بالطبع نحن لا ننكر أثر الابتسامة على صفاء العقل وصحة القلب، لكن تلك الابتسامة العريضة والدائمة على وجوه ضحايا السرطان كانت (أُوفر شوية)، وكان يتعين على أطبائهم المعالجين بدلاً من تضليلهم بهذا الشكل العاطفي، أن يولوهم الاهتمام والرعاية الطبية الكافية، وأن يمنعوا عنهم الفلاشات والزيارات خاصة من مشاهير (السوشال ميديا)، الذين لا يترددون في المتاجرة بأكثر الحالات سوءا لزيادة عدد متابعيهم، وكم من إنسان غاب زمناً عن محبيه، إلى أن اكتشفوا صدفة بأنه كان يخفي عنهم حقيقة مرضه العضال، حتى تكللت رحلته العلاجية بالنجاح.

نعلم أيضاً بأن (الابتسامة بوجه المريض) قد تساعد في تماثله للشفاء، لكن الظاهرة انقلبت حتى أصبح المريض هو من يبتسم بوجه أفراد المجتمع، ويدوس على أوجاعه ليخفف على الأصحاء لحظات طفشهم، وهكذا نسي صحته المتردية وانشغل عنها بتوعية الناس وتلقي الألقاب والتكريمات، حتى جاءت الصورة على سريره صباح اليوم التالي وقد ظهر خاليا بعد أن تم نقل جثمانه للثلاجة !؟

يجب إيقاف هذا الاستخفاف بمشاعر مرضى السرطان (الغالين على قلوبنا)، رغم علمنا بالنيات الحسنة لدى الجميع، قبل أن تتأصل هذه الحالات المؤسفة، ونفقد المزيد منهم بنفس الظروف المخيبة.

* محامٍ سعودي