-A +A
أنمار مطاوع
لسنوات طويلة ماضية.. تمتد لعقود، كان شعار مؤسسات التعليم - خصوصا التعليم العالي - هو: (العلم من أجل العلم). لهذا، سيطر أسلوب التلقين على جوهر العملية التعليمية العامة.. وامتدت حباله لتصل إلى التعليم الجامعي.. (التعليم العالي).. فحدث الشرخ الصاخب بين مخرجات التعليم وسوق العمل.. أو بأكثر شمولية.. اتسع الفتق بين التعليم والحياة الاجتماعية بكل عناصرها.. فتساوت السلوكيات والحاجات بين من تلقى نصيبه من التعليم كاملا ومن لم يحظ بالوصول لنصف الطريق.. وفي النهاية، سوق العمل رفض الاثنين معا.

كما أن فلسفة الضحك من أجل الضحك؛ التي ازدهرت في نهايات القرن العشرين، انحدرت إلى العبثية - وربما لن تكون لها عودة قريبة -، أيضا (العلم من أجل العلم) انحدر من أهدافه السامية إلى مجرد ملء فراغات زمنية.. لأن الأهداف يجب أن تؤدي إلى غايات جادة ومثمرة تفتح آفاقا جديدة للمجتمع وليس مجرد مسطحات تفتقر للمعنى الوجودي.


الجامعات - بشكل عام - كانت تقدم برامجها دون النظر لسوق العمل.. على اعتبار أن سوق العمل لديه مؤسساته الخاصة التي تضخ له احتياجاته. وظلت تقاوم فكرة تلبية حاجات سوق العمل تحت شعارها البرّاق: العلم من أجل العلم.

متطلبات العصر الحالي - عالميا أو محليا؛ ولم تعد المصلحة في التفريق بينهما - أحدثت تغيرا جذريا في مفهوم وطبيعة سوق العمل. أصبحت متطلبات السوق هي التخصص العلمي التطبيقي؛ أي تسخير العلم للعمل المتخصص. وانتهت أسطورة العلم من أجل العلم.

الحلقة المفقودة محليا كانت: وضع رؤية واضحة لجميع المؤسسات المدنية والمجتمع. الكل كان يعمل، هذا صحيح.. ولكن كل في فلك يسبحون.. كل برؤيته الخاصة وغاياته وأهدافه. وعندما وُضعت رؤية المملكة 2030، رُسمت الملامح والتوجهات والخطوط الواضحة نحو غاية واحدة. وبالتالي، سوق العمل اختلف تماما وفكر التعليم الجامعي اختلف أيضا. تغطية متطلبات سوق العمل حاليا تعني التعليم الجيد ونتائج التعلم عالية المستوى.. فخريج يحمل شهادة ولا يستطيع الدخول لسوق العمل الجديد أصبح مؤشرا واضحا على فشل التعليم. سوق العمل الآن يتطلب الاحترافية.. والتعليم الذي لا يحقق تلك الاحترافية، أصبح خارج المنطق السليم.

رؤية المملكة غيرت حتى من مفهوم سوق العمل الحكومي.. فالعمل الحكومي أصبح للجادين فقط.. من يطلب الراحة عليه التوجه للقطاع الخاص.. بعد أن كان إلى عهد قريب العكس هو الصحيح.

* كاتب سعودي