-A +A
أحمد عجب
ما إن بسطنا فرشتنا وجلسنا أنا وزوجتي والأولاد بتلك الحديقة المطلة على البحر، حتى لفت انتباهي مدى العناية الفائقة التي يوليها ذلك الرجل لعائلته، كان يصب القهوة، ويلاعب ابنه الصغير بالكرة، ثم يستمع لهمس ابنته التي بالكاد بدأت تلبس العباية قبل أن يضع المال في يدها فتنطلق فرحة لبسطة (الحجة)، وما بينهما كان يرمق ساحة المراجيح كي لا يغيب طفله الآخر عن عينه، ثم يعود للحديث مع زوجته التي بدت سعيدة للغاية، وقد وفقها الله بهذا الزوج المثالي، صاحب التعامل الراقي والأخلاق الرفيعة، أما ملامح وجهه فلم أرها حتى تلك اللحظة؛ لأننا كنا نجلس خلفهم!

أخذتنا السواليف بعد ذلك أنا وعائلتي الصغيرة في حضرة تمر الخلاص والمكسرات و(عش البلبل)، حول المشاكل الزوجية التي تعج بها البيوت، وتزايد نسب الطلاق بمجتمعنا لأعداد مهولة، وكأننا تفهمنا في تلك الأثناء مطالبة الدعاة من مشاهير السوشال ميديا بضرورة البحث والتحري عن الشاب عندما يتقدم لخطبة البنت، من حيث وظيفته وراتبه وسلوكه وأخلاقه قبل كل شيء، والأهم من ذلك كله أنه ما (يدخن) أو يسهر للفجر مع أصحابه، أو يكون له علاقات سابقة، وأن يتم سؤال إمام المسجد عن مدى انتظامه في الفروض وخاصة صلاة الفجر.


مضى الوقت دون أن ندري، وحين نظرت إلى حيث كان يجلس ذلك الزوج وعائلته، هالني المنظر وصعقت من هول الصدمة، كان يجمع حاجياته ويهم بالمغادرة، لقد لمحت وجهه أخيرا، هو صاحبنا القديم وإلا واحد يشبهه، إنه هو بشحمه ولحمه، والحمد لله أنه لم يرني، كان في شبابه مثالا للصياعة والمعاكسة، كنا نتندر بوجهه الذي كان يبدو أكبر من سنه بكثير، ومع ذلك كانت له مغامرات وقصص عاطفية كثيرة، ولو قدر ومر علي أحد الناس ليسألني عنه وما إذا كان يصلح زوجا لابنته التي تقدم لخطبتها، لحلفت له بأغلظ الأيمان أنه لا ينفع راعيا لاثنتين من البهم، فكيف بأسرة تحتاج للكثير من العناية والاهتمام!

لا يزال مجتمعنا يفهم (الصياعة) غلطا، ويحصرها في الشباب المراهقين الذين لا يزالون يعيشون فورتهم، بينما الصياعة الحقيقية هي تلك التي تبدأ بعد الثلاثين لأناس يروجون للرياء أمام الناس، فيعيشون الكبت والأمراض النفسية، وما إن يتزوجوا وتدب الحياة فيهم حتى تظهر أخلاقهم التجارية ويجرعون زوجاتهم وأبناءهم صنوف المشاكل الأسرية فيتكشف للقريبين منهم (الماضي الأسود)، ولكن بعد فوات الآوان!.