-A +A
حمود أبو طالب
كان مشهداً غير مألوف بالنسبة لشباب عندما نقارنه بما كان يحدث سابقا، ربما قبل فترة غير بعيدة، لم نعتد هذا المشهد وربما لم يكن ممكنا له أن يحدث لسبب واضح ومفهوم هو أن مثل هذا التوجه كان صعباً الجهر به، ناهيكم عن ممارسته في العلن، كان كل شيء يحدث وفق ظروف تلك المرحلة الطويلة الشائكة المتعبة واشتراطاتها التي فرضها سدنتها وصادروا بتعسف أي فكر وتوجه لا يخرج من تحت عباءات فكرهم المفروض قسراً، والواجب اتباعه فرضاً دون اعتراض، تلك المرحلة الكاسحة لكل شيء عدا ما يتم تحت وصايتها.

مجموعة من الشباب في مقتبل العمر ابتكروا فكرة طليعية رائعة هي الاحتفاء بالكتاب في أي جنس من أجناس الإبداع الفكري والأدبي والثقافي، اختاروا الاجتماع في يوم من الأسبوع بعد اختيار كتاب محدد لمناقشته والتحاور حوله وتطارح الأفكار عن محتواه ورسالته وهدفه، رواية، مجموعة قصصية، نقد أدبي، تأريخ، فن، موسيقى، شعر، وغير ذلك. يستضيفون عندما يمكن مؤلف الكتاب لمناقشته فيه وفي تجربته ككل.


كانت المناسبة استضافة الروائي عبده خال لمحاورته حول إحدى رواياته وتجربته الروائية، وكان مذهلاً ذلك الوعي في النقاش ومحاولة فهم السياقات الاجتماعية والظروف التي أحاطت بالتجربة الإبداعية ككل خلال العقود الماضية التي اكتنفها فكر التشدد وتجريم الإبداع وتفسيق المبدعين من قبل تيار التشدد الطاغي، كانت الأسئلة تُطرح عن مدى إسهام الإنتاج الفكري في مرحلتنا الراهنة والمقبلة لمعالجة تشوهات الماضي وإنتاج جيل يحتفي بقيم ومفاهيم الحضارة والتعايش الإنساني.

كانت تلك المجموعة الرائعة من الشباب تبدو وكأنها تنتصف لمجاميع كبيرة تم اختطافها ومصادرتها في الماضي لصالح فكر الانغلاق والتطرف والوعي السلبي الشديد تجاه الحياة والأحياء. إنه جيل جديد يتخلق بشكل صحي مدهش ويتشرب الوعي الصحيح بشراهة عظيمة. جيل غير قابل للتدجين الإجباري؛ لأنه بحث عن ذاته من خلال الوعي فاستطاع أن يكون مختلفا، إنه جيل الوعي، جيل الرهان الرابح.