-A +A
محمد الساعد
قبل 8 سنوات تقريبا اتخذ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قرارا غريبا على الإستراتيجية السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية المستمرة منذ 80 عاما والتي عنيت بتواجد أمني واقتصادي مكثف في منطقة الشرق الأوسط، بل إن واشنطن اعتبرتها خاصرتها الأكثر خطورة، قضت نظرية أوباما بالاستدارة عن المنطقة باتجاه شرق آسيا معلنا انسحابا غير معلن.

كانت خطة أوباما القادم من أوساط اليسار ويمين الليبرالية الجديدة تلتزم بإهمال المناطق الأكثر إزعاجا للسياسة الأمريكية وعلى رأسها المنطقة الشرق أوسطية وتركها للإيرانيين وتنظيم الإخوان المسلمين، على أن يتم التعامل معهما فقط دون الخوض في تفاصيل مع أكثر من 40 دولة تمثل التركيبة الدينية والعرقية لدول المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقا إلى الدار البيضاء غربا، ومن تركيا شمالا إلى القرن الأفريقي ووسط أفريقيا جنوبا، والتخفف مما يسميه هو «الإمبريالية» البيضاء.


النظرية الأوبامية اخترعت أيضا ما يطلق عليه قوس الباسفيك ليكون بديلا اقتصاديا للخليج العربي، ويبدأ ذلك القوس الوهمي من اليابان مرورا بكوريا الجنوبية باتجاه فيتنام وتايلند وسنغافورة ثم ماليزيا وإندونيسيا وانتهاء بأستراليا.

تعمد أوباما إهمال المنطقة العربية، بل إن روايات المقربين منه أكدت على أن ذلك لم يكن «تخففا» فقط، بل حركته كراهيته الشديدة للعرب.

لم يكتف أوباما بتلك الضغينة، بل وجد في الإيرانيين الوحش الذي سيشفي غليله منهم، ولذلك تعمد تعظيم الدور الإيراني والسماح لطهران بالتحول لقوة نووية تمتلك الأدوات القادرة على احتلال المنطقة فعليا أو من خلال بسط نفوذها السياسي.

الإيرانيون اندفعوا وراء تلك المساحات التي منحت لهم من غير وجه حق، لكنه كان اندفاعا غير مسؤول، بل إن نظرية أوباما «الرومانسية» تحولت نتيجة الغباء الإيراني إلى فخ لم يعودوا قادرين على الخروج منه، فهم اليوم تحت القصف اليومي الإسرائيلي في سورية، وتحت طائلة تذمر الشعب العراقي، ونفوذهم وأموالهم تستنزف في اليمن، كما أنهم يخرجون مرغمين من أفريقيا، كل ذلك يأتي كثمرة للجهود السعودية.

سقطت النظرية الأوبامية بدخول سيد البيت الأبيض الجديد دونالد ترمب، الذي جاء وهو متيقن تماما من أن أمريكا التي تردى دورها بسبب سياسات أوباما المرتعشة لن تعود لمجدها إلا بإعادة الدور الإستراتيجي في الشرق الأوسط وإعادة التحالفات التقليدية مع السعودية، وتحجيم الإرهاب والدول الراعية له وعلى رأسها إيران، وهذا ما يحصل الآن.

الأمير خالد بن سلمان سفير السعودية في واشنطن حذر قبل أسبوعين تقريبا، في مقال نشر له في صحيفة «الشرق الأوسط»، من أن العالم يعيش اليوم فترة تشهد ظروفاً تذكِّر بأحداث ثلاثينات القرن الماضي التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

الأمير خالد أضاف، إن العالم يعيش تداعيات أزمات اقتصادية، ويشهد انقساماً سياسياً حاداً من اليمين المتطرف إلى اليسار المتشدد، وتغيب فيه قدرة مؤسسات المجتمع الدولي على العمل المشترك الفعال للتصدي للأزمات الدولية، وكما هو الحال في النصف الأول من القرن العشرين، تسعى القوى التوسعية اليوم لملء الفراغ من خلال نشر أيديولوجيات الكراهية والعنف، وهو أمر يستوجب على المجتمع الدولي العمل بحزم لمواجهة هذه التحديات.

ربما كان هذا التصريح هو أصدق قراءة لما يحدث من إعادة تموضع وحراك سياسي وعسكري في هذه المنطقة المتفجرة، قبل حصول «حرب عالمية ثالثة»، إذا لم تذعن إيران وتعد نحو سردابها الذي أطلقها منه أوباما.

إيران تعتقد أنها قادرة على المراوغة والهروب وتقديم الوجه الحضاري الموءود، رصيدها من الإرهاب «كفؤ جدا»، وهي ترسل الإشارات لعلها تجد أوباما آخر يلتقطها، بالتأكيد هي لم تقرأ العالم الجديد، فهل سيكون هذا آخر أخطاء «الأكاسرة»، والرماح التي أطلقوها ستعود إليهم محملة بنهاية التاريخ.

* كاتب سعودي