-A +A
أسامة يماني
العالم مقبل على تغيرات كثيرة، فهذه الصين لم تمنعها أيدلوجيتها من التحول من الفقر للغنى والتطور وتحسين الأوضاع الإنسانية بالرغم من سطوة الفكر الشيوعي وفكر ماو تسي تونغ والتحول من النظام الرأسمالي إلى النظام الشيوعي والتعدد الثقافي الصيني، كل ذلك لم يمنع الصين من التحول العظيم. العالم يتطور حولنا شرقاً وغرباً ونحن مازلنا نعاني من مشكلات فكرية تجعل من الانتقال للعالم الجديد كمخاض صعب متعثر، حتى أن القوى العظمى رأت أنه لا حل إلا من خلال إعادة خريطة المنطقة وخلق شرق أوسط كبير، وبذلك تحقق رغباتها الإستعمارية ورغبات إسرائيل التوسعية والإستيلاء على خيرات المنطقة ومحو تاريخها وحضاراتها التي لم يعطها أبناء المنطقة حقها من الاهتمام والرعاية.

وقد ذهب الدكتور جواد علي في كتابه تاريخ العرب في الإسلام، أن ما أصاب العالم الإسلامي الْيَوْمَ من ركود في العقل والجسم وجمود «والسواد الأعظم في جهالة عمياء وفِي ظلام دامس: تعصب بغيض يشبه تعصب قريش في أيام الرسول. وكسل وأمراض، حتى وقع في روع الكثير من الغربيين والشرقيين، أن ذاك في الإسلام، وأن الإسلام معناه الكسل والاتكال، وأنه سبب تأخر المسلمين، وأن العالم الإسلامي لا يمكنه لذلك من مجاراة ركب الحضارة، إلا بالابتعاد عن الإسلام، وتخليصه من أصوله المسيطرة على العقول، سيطرة تامة وراسخة، وذلك بثورة كاسحة جامحة عليه شبيه بثورة العالم الغربي على الكنيسة».


لقد أوصل هذا الجمود والركود الذي يعاني منه العالم الإسلامي إلى شفا الهاوية، وجعل من عالمنا حالة مناظرة ومشابهة لحالة الهنود الحمر من ناحية الجمود والركود وعدم القدرة على التطوير والتغيير، كما حدث للمماليك في مصر لرفضهم التغيير والتحديث وعدم استخدام البارود والبندقية وقناعتهم بأن استخدام السيف دليل على الشجاعة والقوة والفروسية، فكانت هذه المسلمات سبباً في اندثارهم وأفول دولتهم ونجاح الحملة الفرنسية بدخول مصر. لذا ليس لنا خيار سوى إعادة النظر في كثير من المسلمات والقناعات لكي لا نكون الهنود الحمر الجدد.

رواندا البلد الأفريقي الذي مزقته الحرب الأهلية عام ١٩٩٤ والذي ارتكبت فيه واحدة من أبشع مجازر الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر إن لم تكن أبشعها ومع ذلك استطاعت حكومة كاغامي تطبيق رؤية تنموية وتعليمية نجحت في تحويل رواندا إلى بلد مزدهر وذلك انطلاقاً من المصالحة الوطنية ونبذ الكراهية والقبلية وسن القوانين التي تجرم العنصرية والكراهية، وبذلك قضت على التفرقة بين قبائل «الهوتو» و«التوتسي» وغيرها، وعملت على وحدة النسيج والمكون الشعبي الرواندي.

بدون الخروج عن الجمود والركود وسيطرة التقاليد والموروث، والإيمان بحتمية وضرورية اعتماد سياسة التسامح والمصالحة وتفعيل القوانين المحاربة للكراهية والعنصرية والطبقية والقبلية واعتمادها كأساس حقيقي في التعامل لتأصيل روح الوطنية في المجتمعات العربية، وإصلاح المنظومة التعليمية والصحية، لن تكون منطقتنا وعالمنا سوى ملعب للقوى الإقليمية والدولية.

* كاتب سعودي