-A +A
أريج الجهني
«يا امرأة أعطتني الحب بمنتهى الحضارة.. وحاورتني مثلما تحاور القيثارة»، المقال الثالث عن الخطاب المجتمعي الموجه للمرأة العربية، ولعل قصائد نزار من أكثر النصوص جدلا ما بين إنصاف المرأة العربية والنظر إليها كشريك عاطفي مبادر ومستقل الإرادة وبين من يراه يبتذلها بالتأكيد ليس هذا محور حديثنا اليوم، لكن اخترت هذا البيت كاستهلالية لمقال جاء بعد سرد مكثف ما بين المفاهيم والمنهجيات العلمية لنواصل السلسلة النسوية المختصرة التي تنتهي الخميس القادم بمقال «ما بعد النسوية، وما بعد التمكين وخطة عمل مقترحة».

يعتبر طور الخطاب المجتمعي من أبرز أطوار الفكر النسوي عبر التاريخ والذي أكدت سابقا بأنه الأبرز والأكثر تأثيرا، فاللغة تخلق الهوية، نحن نصدق ما نقوله لأنفسنا بشكل أو بآخر والهوية التي أعنيها هي إجابة للسؤال المختصر «من أنت؟»، لماذا نؤكد على أهمية التحليل السردي في الأبحاث النسوية، لأن العبارات التي تتناول المرأة تشكل جزءا كبيرا من وعيها بذاتها، فكيف لنا أن نطالب المرأة بالثقة بنفسها وهي تتربى على الضعف والعبارات السلبية التي تحط من قيمتها الإنسانية «لا تبك كأنك بنت، هم البنات للممات، البنت عار، المرأة عاطفية... إلخ»، والأسوأ عندما يتم توظيف الخطاب الديني وانتزاعه من سياقه التاريخي ليسقط على مواقف حياتية عامة، ولعل أبرزها «ناقصات عقل ودين، لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وغيرها من العبارات التي جاءت في سياقات خاصة تم توظيفها عبر التاريخ لنقل المئة عام الماضية في هضم المرأة وتغييبها عن المشهد السياسي والاجتماعي في محاولة لحصر دورها فقط في الإنجاب، إن هذا التغييب لم يكن عشوائيا، بل هو سلوك تاريخي في المجتمعات البشرية، فتقول جوديث بتلر إن الهدف من تغييب المرأة عن المشهد السياسي هو تقليل عدد المنافسين! فالمرأة الغربية لم تنل حق ممارسة التصويت والانتخاب إلا في السنوات الأخيرة، ولا تزال تنازع بقية حقوقها المجتمعية أمام سطوة الخطاب الذكوري.


عندما تصيح المرأة مرددة «المرأة عدوة المرأة» بهذه العبارة الخطيرة جدا تجعلك تفهم أنك أمام إنسان لا يدرك هويته ولا يتوافق معها، هذه العبارة السامة التي تم تسريبها في دماء النساء لتتوهم أن كل امرأة منافسة لها، وكل امرأة خطر عليها وعلى زوجها وحياتها، تجعل المرأة تتجاهل هنا تحزبات الرجال وقوتهم المجتمعية ودعمهم لبعضهم البعض حتى في عداواتهم، بل تجدهم لا يعلنون العداء بالطريقة الساذجة والحمقاء التي تتبجح بها بعض السيدات للأسف بينهن، أخبرني أحد الأصدقاء بأنه يتعجب من سلوك السيدات في احتقار صديقاتهن وعدم التحرج من تشويه سمعة فتاة جميلة وناجحة أمام الرجال فقط لتظهر بأنها أفضل! قاطعته، بأن مثل هؤلاء أنظر إليهن كضحايا، فهي تعتقد أنها لن تكون ناجحة إلا بفشل من حولها، لأنها تشربت هذا الخطاب الذي جعلها لا تتصور نجاحها ولا تستمتع بجمالها إلا من خلال المقارنات التي لا تنتهي! وهذا امتداد لثقافة الهدر النفسي المتأصلة في الحياة الاجتماعية لدينا وبشكل كبير.

إذن الخطاب المجتمعي له سطوته على المرأة نفسها وعلى نظرة المجتمع لمنجزاتها، لذا أجد من المهم التوثيق للتاريخ قرار معالي الوزير عواد العواد، الذي نص على منع أي محتوى إعلامي ذي دلالة سيئة للمرأة والتركيز على المحتوى الإيجابي، والعظيم في هذا القرار دعم جانبين على المستوى الداخلي في رفع الوعي، وعلى المستوى الخارجي بوقف المحتوى المسيئ، الذي يتم إعادة توظيفه من قبل الإعلام الخارجي المعادي للمملكة، والذي يحاول أن يجهض كافة الإصلاحات التاريخية العظيمة التي نعيشها كمجتمع بشكل عام، وكنساء بشكل خاص، ولكن يبقى الآن غربلة محتويات مناهج التعليم وصناعة محتوى رصين وبرامج تعليمية وثقافية لكافة الفئات العمرية، المرحلة القادمة هي ما بعد التمكين، فبعد خروج النساء من عنق الزجاجة بحزمة الأوامر الملكية التاريخية الأخيرة ننتقل لفجر جديد من العمل والاجتهاد لا مكان للتهاون والتكاسل، تطبيق مفاهيم العدالة والتنوع هو التحدي الحقيقي القادم، فالهدف الوطني الأسمى تمكين العقول المجتهدة بغض النظر عن النوع واللون والانتماء، فلا انتماء بعد الآن إلا للوطن وأرضه ولتسقط كافة الأقنعة!.

* كاتبة سعودية