-A +A
محمد الساعد
لطالما حاول حمد بن خليفة أمير قطر السابق أن يكون زعيما مهابا في منطقة الخليج والعالم العربي، بالطبع كان يريد فعل ذلك على الرغم من أنه لا يملك الإمكانات الشخصية ولا كريزما الزعامة ولا دولته قادرة على فعل ما تتطلبه القيادة، وكل ما قام به حمد هو أنه أثبت قوته وهيبته على والده الشيخ خليفة رحمه الله بانقلابه الشهير عليه.

عقدة حمد بن خليفة التي لازمته ولا تزال لليوم تتلخص في كونه يتحكم في بلد صغير امتداده لا يتجاوز 170 كلم وعرضه في حده الأقصى 70 كلم، إنه التاريخ والجغرافيا اللذان لا يمكن لأحد القفز عليهما ولا تغييرهما لا بالمال ولا بتجميع السلاح ولا بحياكة المؤامرات والاغتيالات.


لم يقتنع حمد بن خليفة بقدره بل حاول القفز عليه، فجمع الإرهابيين والمخربين ووطنهم في بلاده، وأنتج المسلسلات ورشى الممثلين والمخرجين وكتاب الروايات وزور شهادات النسب لكي يثبت للعالم أنه شيخ في الخليج العربي.

اتخذت قطر تحت سيطرة ابن خليفة أسلوب المماحكات والمؤامرات والتخريب لبناء رصيد سياسي يرفع من قيمتها، كل ذلك دفعه لاستعجال قدره والانقلاب على أبيه، لأن والده -رحمه الله- كان حاكما واقعيا ويعرف وزن بلده في جواره الخليجي ومع المنطقة والعالم.

تلك الواقعية لم ترق للابن الذي دفعه تهوره السياسي للمقامرة بأمن بلده والخليج والعالم العربي، وهو ما نرى نتائجه اليوم من هدم للأمن العربي في سورية وليبيا والعراق واليمن وسيناء وغيرها.

بدأ ذلك النهج «المتهور» خلال حرب الخليج الأولى عندما دفعت الدوحة بمجموعة من قوات المرتزقة العاملة لديها لاحتلال جزيرة «فشت الدبل» البحرينية التي اتُخذت كقاعدة متقدمة لخدمة جهود مجلس التعاون الخليجي الدفاعية، كان يهدف حمد بن خليفة من ذلك وضع المجلس أمام الأمر الواقع، لكنه أخرج منها بالقوة وخلال ساعات، ثم قام بمحاولة مقايضة جزر حوار البحرينية مع دول المجلس ولكن هذه المرة ليصطف معها في الموقف الرافض لاحتلال الكويت واستضافة قوات التحالف، وهنا أيضا فشلت تحركاته، استمر في ذلك حتى قام بالدخول لمنفذ الخفوس الحدودي السعودي، وكذلك أخرج منه بالقوة.

يبدو أن حمد بن خليفة اقتنع بعد تلك المغامرات أنه لن يتحول لقوة عسكرية مهابة، مهما فعل وأن تلك التحركات ليست سوى عمليات انتحارية لم تفده في شيء بل انقلبت وبالا عليه.

لينتقل بعدها إلى مرحلة أخرى من البحث عن زعامة متوهمة غير موجودة، فهداه تفكيره ومستشاروه وعلى رأسهم الإسرائيلي عزمي بشارة إلى محاولة تفجير العالم العربي من داخله والاستيلاء عليه عبر استلاب الجماهير وخداعهم، فأنشأ قناة الجزيرة وتحالف مع قوى التطرف والإرهاب، ومع ذلك لم تجد تلك الممارسات في السياسة نفعا فبقيت قطر كما هي دولة صغيرة بلا تأثير يذكر.

بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده وجد أن جماعة الإخوان المسلمين هي أقرب ما تكون إلى شركة عابرة للحدود لديها شبكة علاقات عامة واسعة وجماعات متطرفة وعسكرية متأهبة وقادرة على القيام بأي عمل.

وكأن القدر جمع بين شتيتين متماثلين، فالجماعة كانت تبحث عن وجه سياسي ومالي، وهو وجد فيها الملاذ الأخير لتحقيق حلم لطالما سعى وراءه ولم يجده.

لقد حققت الجماعة الإرهابية أخيرا حلمه «الوهمي»، لكن هذه المرة ليكون شيخا على جماعات التكفير والتطرف بدءا من القاعدة، وقاعدة العراق والشام، والقاعدة في جزيرة العرب، والجماعة المقاتلة في ليبيا، وجبهة النصرة، وداعش، وداعش سيناء، وانتهاء بداعش ليبيا والصومال.