-A +A
نعيم تميم الحكيم (جدة) naeemtamimalhac@
هل انتهت كرة الاستحواذ ؟

هذا السؤال الذي قفز لأذهان محبي وعشاق المستديرة بعد خروج المنتخبات الكبيرة والتي تصدرت معدلات الاستحواذ في المونديال الروسي.


في المقابل فإن منتخبات أخرى تلعب بطرق دفاعية أو متحفظة نوعا ما ولا تميل لامتلاك الكرة بشكل مبالغ فيه وتلعب بشكل مباشر استمرت بهذا المونديال في ظاهرة ملفتة للنظر.

وشهدت نسخة كأس العالم الحالية مغادرة أصحاب المراكز الأربعة الأولى في نسب الاستحواذ في دور المجموعات ثم دور الـ 16، إذ خرجت ألمانيا حاملة اللقب وثاني أكثر فريق مستحوذ بالمونديال الحالي بدور المجموعات لأول مرة منذ 80 عاما من دوري المجموعات. وخرج المنتخبان الإسباني والأرجنتيني صاحبا المركزين الأول والثالث في نسب الاستحواذ بهذا المونديال من الدور ثمن النهائي. ووفقا لإحصاءات الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» بلغ متوسط استحواذ إسبانيا على الكرة خلال مبارياتها في البطولة 69 %، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 75 % أمام روسيا في مباراة دور الـ16. لكن هذه الهيمنة لم تترجم إلى أهداف أو انتصار، وعندما تم الاحتكام لركلات الترجيح لم يكن لهذه الهيمنة على مجريات اللعب أي تأثير في النتيجة النهائية للمباراة.

ودعت البطولة ألمانيا من الدور الأول، رغم أن متوسط نسبة استحواذها على الكرة بلغت 67 % في 3 مباريات، ورغم هذا خسرت ألمانيا مباراتين وحققت فوزا واحدا بشق الأنفس على السويد في الوقت المحتسب بدل من الضائع.

ولم تكن الأرجنتين أفضل حالا بعد أن واجهت صعوبات كبيرة في مبارياتها الثلاث الأولى، لكنها تأهلت لأدوار خروج المغلوب قبل أن تخسر أمام فرنسا وتودع البطولة، رغم أن متوسط نسبة الاستحواذ على الكرة بلغ 64 %. وفازت فرنسا 4 /‏ 3 على الأرجنتين، رغم أن نسبة استحواذها على الكرة لم تزد على 41 % فقط في بعض الفترات.

وكانت المفاجأة في احتلال الأخضر السعودي المركز الرابع على مستوى الاستحواذ وإن كان سلبيا، بعد أن ودع كأس العالم مبكرا بتلقيه هزيمتين متتاليتين على يد روسيا في الافتتاح ثم الأوروغواي.

ولم يكن منتخب سويسرا، الذي جاء خامسا بنسب الاستحواذ بأحسن حالا من المنتخبات الأربعة الأوائل بعد توديع كأس العالم من دور 16 بخسارته أمام السويد بهدف نظيف.

والمفارقة أن السويد التي أقصت هولندا من دور المجموعات في التصفيات، ثم أخرجت إيطاليا من الملحق الأوروبي، قبل أن تتصدر مجموعتها، التي تضم ألمانيا احتلت المركز 28 في نسب الاستحواذ، لكن بالتنظيم والخطة الدفاعية المحكمة وحسن الارتداد استطاع أن يصل للدور ربع النهائي في كأس العالم.

بل إن جميع المنتخبات التي تأهلت لدور ربع النهائي، باستثناء بلجيكا وإنجلترا، كانت نسب استحواذها أقل من نظيرتها الخاسرة.

ولعل أقرب مثال على ذلك فوز أوروغواي على البرتغال في دور الـ16 فقد امتلك فريق المدرب أوسكار تاباريز، الكرة بنسبة 39 %، لكنه فاز 2/‏ 1 على البرتغال.

ولم تعتمد أوروغواي على امتلاك الكرة بقدر ما اعتمدت على تطبيق خطة مثالية لتحقيق فوز صادم.

وقال تاباريز: «غالبا ما يسود هذا الاعتقاد الخاطئ بأن الاستحواذ على الكرة يؤدي إلى إحراز أهداف». وواصل: «ولكن حتى لو لم تستحوذ على الكرة كثيرا، فإن الفريق يمكنه الوصول لمرمى المنافس بطرق مختلفة».

الأدوار الإقصائية

وبرهنت أدوار ربع النهائي ونصف النهائي والنهائي عدم جدوى نظرية الاستحواذ، بعد أن تمكنت بلجيكا الأقل استحواذا من إقصاء البرازيل أحد أكبر المرشحين للبطولة.

وبنفس الطريقة أقصت فرنسا البلجيك وهزمت الكروات في النهائي رغم أن نسبة الاستحواذ تميل للمنتخبين الخاسرين.

خروج هذه المنتخبات التي تصدرت نسب الاستحواذ في المباريات التي خاضتها بالمونديال، وكسب المنتخب الفرنسي البطولة، رغم أنه الأقل بنسب الاستحواذ في 5 مباريات من أصل 7 خاضتها بالمونديال الروسي طرحت تساؤلا، هل خروج المنتخبات التي تجيد اللعب بأسلوب الاستحواذ دليل على نهاية هذا الأسلوب التي ابتكرته الكرة الهولندية وطبقته الإسبانية وعدد من المنتخبات والأندية الأوروبية.

أم أن المدربين عملوا على تطوير أساليب تكتيكية دفاعية تحد من خطورة المنتخبات المستحوذة وتقلل من خطورتهم وتستغل المرتدات لتقصي هذه المنتخبات وتهزمها، في ظل عدم تطوير هذا الأسلوب.

فيما ترى فئة أخرى من النقاد أن سبب خفوت كرة الاستحواذ، ليس بسبب أسلوب اللعب، مرجعين ذلك للأدوات السيئة التي لاتملك حلولا فردية ولامهارة تمكن فرقها من تحويل هذا الاستحواذ إلى صناعة فرص حقيقة وتترجمها لأهداف.

«رتم» اللعب

ويعلق المدرب الوطني والناقد الرياضي سمير هلال على الموضوع بقوله: «الاستحواذ قسمان إيجابي وسلبي، فبعض الفرق تستحوذ وتلعب بشكل مباشر، وأخرى تفضل اللعب بطرق عرضية بحثا عن منفذ في الدفاع تصل من خلاله لمرمى الخصم».

وعلل ما حدث بكأس العالم من خروج المنتخبات التي تلعب بالاستحواذ إلى تغير رتم اللعب بشكل أسرع وهو أمر اتعب المنتخبات الكبيرة التي يغلب على لاعبيها كبر السن وثقل الحركة أمام منتخبات تلعب برتم أسرع.

ورأى هلال أن بعض المنتخبات لم تفعل استحواذها بشكل صحيح بمعنى أن النهاية كانت ضعيفة لعدم وجود مهاجم قناص أو ضعف الفعالية في الثلث الأخير من الملعب.

ولاحظ هلال أن أغلب الخصوم عرفوا كيف يمتصون ضغط المنتخبات المستحوذة، بالدفاع المحكم والضغط العالي، وتنفيذ المرتدات بشكل سريع ومتقن، خصوصا أنها تملك لاعبين ذوي «رتم» عالي ويلعبون بشكل مباشر مع قوة في الأداء وقدرة بدنية عالية.

وتطرق الكابتن سمير لنقطة تم إغفالها وهي أن معظم المنتخبات المتوسطة والصغيرة يتمتع أفرادها بضغوطات أقل، كما أنهم لاينشطون في أندية ودوريات كبيرة، فيما نرى معظم لاعبي المنتخبات الكبيرة يلعبون في أندية كبيرة ودوريات قوية، وقد استنزفوا طوال العام بدنيا ولياقيا من كثرة المشاركات كما حدث مع ميسي وكذلك رونالدو، الذي اختفى في آخر مباريتين وقلت فعاليته، مشددا على أن هذه أمور جعلت منتخبات أقل تفوز وتقصي منتخبات أكبر.

الهدف أولا

ويؤكد المدرب الوطني بندر الأحمدي أن أساليب اللعب في المونديال كانت كثيرة ومتنوعة، منها الاستحواذ، أو اللعب المباشر، أو الاعتماد على الهجمات المرتدة إلى آخره من الأساليب المتنوعة في كرة القدم.

وأضاف:«الحديث عن الاستحواذ يقودنا إلى الهدف من الاستحواذ ويشترط فيه دائما تجاوب المنافس معك، كأن تستحوذ من أجل إخراج المنافس من المناطق الدفاعية على سبيل المثال».

وزاد: «إذا خرج تحقق الهدف من الاستحواذ ولكن إذا استمر في دفاع المنطقة فإن الهدف من الاستحواذ لن يتحقق بعكس اللعب المباشر والتحولات وغيره من الأساليب التي تعتمد على أداء الفريق بشكل رئيسي».

وهو ما يفسر عدم جدوى أسلوب الاستحواذ في كرة القدم بالذات في مباريات خروج المغلوب.

وشدد على أن خروج كبار المنتخبات التي تعتمد على الاستحواذ كأسلوب لعب خارج المنافسة أمر طبيعي.

ولفت إلى أن الاستحواذ في مناطق الخطورة سيكون على حساب انكشاف الفريق من خطوطه الخلفية وهذا يوضح خطورة الاستحواذ بعد استخلاص المنافس للكرة وعمل الارتداد الهجومي السريع.

ويقف الأحمدي بقوة مع اللعب المباشر الأكثر نجاعة من وجهة نظره من طريقة الاستحواذ.

بيد أنه يشير إلى أن كثيرا من المدربين يرفضون التغيير، لأنها فلسفة خاصة بهم ولا يمكن تغييرها، لأن المدرب الكبار لايتراجعون عن فلسفتهم ومنهجيتهم بسهولة، ولو كلفهم ذلك الخروج من المونديال كما حدث مع المنتخبات الكبرى.



الزهراني: «الأدوات» خذلت متبني فلسفة الاستحواذ

يرجع الناقد الرياضي الكابتن سعد الزهراني عدم جدوى فكر الاستحواذ في المونديال لعدم وجود أدوات تطبقه بشكل صحيح، بجانب عدم قدرة المدربين على تطويره وقال: «عندما نتحدث عن فلسفة الاستحواذ بعد كرويف، فإننا نعتبر بيب غوارديولا وأرقونس من المجددين لهذه الفلسفة»، مستدركا أن أرقونس عندما تولى مهام المنتخب الإسباني وجد الكثير من المواهب المجيدة لتنفيذ هذه الفلسفة.

وشدد على أن نجاح المدربين بتطبيق هذه الفلسفة مرهونة بالأدوات، مستدلا على أن تطبيق غوارديولا لفلسفة الاستحواذ تعود لجودة الأدوات كتشافي وانيستا، بخلاف ما وجدناه بكأس العالم من استحواذ سلبي يعتمد على التمرير بدون فلسفة واضحة، مع بطء كبير وهو ما رأيناه في المنتخب الإسباني والأرجنتيني رغم امتلاكهما لنجوم مهاريين، مثل ميسي وإيسكو.

وأضاف: «مع تطور فلسفة الاستحواذ تطورت الخطط المضادة والتكتيك الذي بدأت فرق كثيرة تستوعبه، وهو تكتيك مضاد للحد من خطورة هذا الاستحواذ، والذي يدعى تكتيكا مضادا لأبطال الاستحواذ».

ولاحظ الزهراني أن المنتخبات بكأس العالم تكتلت بخطين متقاربين، وتركوا ثلاثة أرباع الملعب للخصم واعتمدوا على الدفاع في الـ30مترا الأخيرة وترك باقي الملعب للفريق الخصم، لذلك وجدنا قلوب دفاع المنتخبات المستحوذة في خط المنتصف، وشكلت الهجمات المرتدة خطورة كبيرة عليهم، كما رأينا منتخبات كثيرة تترك مساحة في الأطراف، ولكن عندما تصل تجد أمامك «بلوكا» دفاعيا من الصعب اختراقه.

وشدد على أن خروج المنتخبات التي تمتلك الاستحواذ من كأس العالم في روسيا، لا يعني نهاية عصر هذه الفلسفة، بل هي بحاجة لأدوات ولاعبين يمتلكون حلولا فردية وليس لاعب واحد فقط، مع ضرورة تطويرها بشكل مستمر لمواجهة الخطط الدفاعية المضادة.