-A +A
مها الشهري
بالرغم من أن عمل الفرد هو مفتاح عبوره إلى الأهلية الاجتماعية التي تحقق له كيان الإنسان المنتج والمستقل والمتمكن من حياته، إلا أن قضية الشباب وشح فرص العمل من أهم القضايا التي يكاد أن يتعذر إصلاحها، لدينا هذا الحجم من البطالة رغم حصول أكثرهم على التعليم والتعليم العالي في مجتمعنا المعروف على مستوى العالم بالرخاء والوفرة.

ينظر أكثر شبابنا اليوم إلى أن الوافدين قاسموهم في أرزاقهم، واستلبوا الفرص الوظيفية منهم، وبالتالي تأتي بعض الشركات لترسخ هذا المفهوم بسعودة قطاعاتها بالكامل رغم أنها توفر دخلا شهريا متدنيا، وقد تقدم أعمالا لا ترقى للطموح أو الشهادة العلمية، مما يعني أن هناك استغلالا واضحا لذهنية الناس الخائفة من اجتياح الأجنبي حينما تواجههم العراقيل والصعوبات لدخول سوق العمل، هذا بالرغم من أن المجتمع لم يصل إلى مأزق الندرة الذي تعاني منه غالبية دول العالم الثالث، وقد استغلت حسابات على مواقع الإعلام الاجتماعي (غير معروفة المصدر) هذه الذهنية السلبية لبث الكراهية والعنصرية بمبرر السعي وراء حقوق المواطنين في التوظيف.


إذا نظرنا للمجتمع وفق تقسيمه فسنجد أن هناك فئات هي الأكثر حصولا على فرص العمل بسبب ترابط العلاقات الاجتماعية بقيادات السوق أو من يرتبطون بهم، ومن مبدأ النفعية التي يُعتمد عليها كأسلوب يمكن الفرد من الحصول على فرصته حتى ولو كان يفتقد كفاءة الحصول عليها، بالمقابل هناك فئة كبيرة من الشباب الذين لم يجدوا دورا وظيفيا يحسِّنون منه ظروفهم المعيشية أو ليثبتوا كفاءتهم، وإن حصلوا عليه فبراتب متدن، من ذلك أخذ الغبن المعيشي يهدد حياة الشباب البعيدين عن تلك العلاقات، والأمر ينسحب على الأمن الاجتماعي والبناء النفسي للفرد، فبدلا من أن يكون الفرد واعيا ويعرف حقه سنجده يستجدي الناس باحثا عن «واسطة» ينتفع منها.

إن الواسطة في شكلها المحوري والخاص هي السلطة التي تسيطر على فرص التوظيف والعمل، وهي بالتالي تهمل جانبا كبيرا من التركيز على تعيين الكفاءات، الأمر الذي يعني بالضرورة عدم حصول ذوي الاختصاص على فرصهم في العمل، وهذا يهدد نجاح العمل المؤسسي بشكله الكامل والشمولي، لأنه يشكل ثغرة من الضعف وبدورها ستؤثر على جودة الأداء في بيئات الأعمال.

لا بد من أن تعمل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على تحديد المسارات المهنية وفق مسارات التدريب المهني اللاحق للتخصصات الدراسية في اعتبارات التوظيف، وتضع الأنظمة التي يصعب تجاوزها للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، سعيا في إلغاء جميع ما يتعلق بالأساليب التي تفتح أبواب التنافس على الولاء والتقرب والمصلحة وليس على مستوى العمل الحقيقي والإنتاج.