-A +A
محمد أحمد الحساني
حي الطندباوي في العاصمة المقدسة يبعد عن المنطقة المركزية نحو كيلو متر واحد، وكنت قد سكنته ما يزيد على عشر سنوات، فكان يسهل علي الذهاب إلى المسجد الحرام في بعض الأيام لأداء صلاتي المغرب والعشاء مشياً على الأقدام، معتبراً ذلك المشوار «الكعابي» رياضة تعوضني عن أنواع أخرى من الرياضات كنت أمارسها في صغري وشبابي مثل كرة القدم، وكان العديد من سكان الحي يفعلون مثل ما أفعل، بل إنني اقتديت بهم واستفدت من تجربتهم، فوجدت أثر ذلك نشاطاً وصحة وحرقاً للفائض من السكر والدهون! هذا الحي القريب نسبياً من المسجد الحرام شملته مشاريع نزع الملكيات لصالح ما يسمى بالطريق الموازي الممتد من ميدان الدوارق في المدخل الغربي لأم القرى إلى المنطقة المركزية شرقاً، وكانت معظم عقاراته شعبية وذات مساحات صغيرة تسكنها عائلة من أسرة متماسكة جمعتها تلك المساحة الصغيرة، بل إن منزلي في الحي الذي بعته بيعاً حراً بسعر معقول عام 1412هـ لم تكن مساحته الإجمالية تزيد على 70 متراً مربعاً، حتى جاءت الشركة المطورة للطريق الموازي، وقدرت العقارات بأثمان بعضها لا يكفي لشراء أرض في أي موقع داخل مكة المكرمة حتى لو كان الموقع بعيداً عن المنطقة المركزية 10 كيلومترات أو أكثر، حيث أعطي للأرض في بعض المواقع من حي الطندباوي خمسة آلاف ريال سعراً للمتر منها فيكون تقدير مئة متر خمسمئة ألف والأنقاض بمائتي ألف «وربك سامع الدعاء».

ولذلك لم أفاجأ عندما علمت أن بعض أهالي الحي اضطروا إلى شراء أراضٍ في وديان بعيدة عن مكة المكرمة، مثل وادي ملكان وبئر الغنم وعمق، لأن الأراضي هناك في حدود 200 ألف ليبنوا بباقي مبلغ التعويض حجرات بسيطة، فما أبعد البون بين سكنهم السابق وبين سكنهم الجديد، ولكنهم كانوا مضطرين إلى تجشم هذا الابتعاد عن حيهم، الذي سكنوه وألفوه وتمتعوا عن طريقه بالقرب من الحرم وبإمكانية الوصول إلى الكعبة راجلين!.


ولعل العجيب في أمر هذا المشروع الاستثماري أن عملية نزع الملكيات لصالحه مرّ عليها 10 سنوات وتم إزالة مئات العقارات، ولكن المشروع لم ير النور بعد، فلعل المانع خير!.

* كاتب سعودي

mohammed.ah@mad568@gmail.com