-A +A
«عكاظ» (النشر الإلكتروني)

وصف الكاتب جيسون لينكينز في مقالة له «الرشوة» والعبودية«بأنها أحد أدوات قطر في سبيل طريقها للظفر بتنظيم كأس العالم 2022، وتمكن الكاتب في قراءة مطولة نشرها على موقع» ثينك بروقرس" الأمريكي من تشخيص التحركات القطرية قبل منحها حق تنظيم البطولة العالمية وحتى خطواتها الأخيرة، وإلى نص المقال:

بالرغم من أن كأس العالم في روسيا قد أُقيم على خلفية تفاعل القوى العظمى؛ إلا أن عدم شهرة قطر النسبية على الساحة السياسية الكبرى ستتيح للمشاركين والمشجعين فرصة التأمل في خللٍ أخلاقيٍ مضطربٍ وشديد الحدة.

في الوقت الذي اتخذت فيه قطر خطوات واسعة لتطوير نظام الدوري المحلي، حيث عملت بفعالية على استقطاب المواهب من أفريقيا، لا يمكن القول بأن هذه الدولة بشكل خاص تتمتع بثقافة كروية جديرة بالاهتمام؛ حيث إن فريق الرجال الخاص بها لم يتأهل أبدًا لكأس العالم أو كأس القارات أو للألعاب الأولمبية. بل في الواقع، أهم انجاز له هو الفوز ثلاث مرات ببطولة الخليج العربي الصغيرة. وإن التأهل التلقائي التي ستحصل عليه قطر باعتبارها المستضيف سيكون أول مشاركة لها في بطولة رئيسية.

كما أن قطر تُعد مكانًا قاسٍ لأشهر بطولات كرة القدم في العالم. حيث إن الرطوبة خانقة طوال الأشهر الحارة، أضف إلى أن درجة الحرارة في فصل الصيف تصل لدرجات عالية، وذلك عامل أجبر الفيفا على بدء البطولة في أواخر شهر نوفمبر. إن هذه الخطوة ستتسبب بفوضى في معظم بطولات كرة القدم الكبرى في العالم، حيث سيضطر لاعبوها الكبار للحصول على إجازات من فرقهم في منتصف مواسمهم للتنافس لصالح منتخباتهم الوطنية – إضافة لأخذ وقت من أجل التعافي من جدول كأس العالم الذي لا يرحم.

كما قد يكون المناخ الاجتماعي لهذه الدولة العربية منفرًا لكل زوار مشجعي كرة القدم الذين يتمتعون بروح الحماسة والعلامات التجارية التي عادة ما تغطي أي مساحة فارغة يمكن أن تلتقطها عدسة كاميرات التلفاز.

في عام 2011، استضافت قطر نهائي كأس أسيا بين اليابان وأستراليا على استاد خليفة الدولي في الدوحة، وباعتبارها تجربة لإقامة بطولة كبرى لكرة القدم، إلا أنها لم تنجح. فكما ذكر مراسل قناة الجزيرة بول ريز، تم إبعاد الآلاف من المشجعين على الرغم من امتلاكهم لتذاكر بعد أن فرضت الشرطة إغلاقًا. ووفقًا للتقرير، فإن افتقارًا تام للإدارة في نقاط الدخول للملعب هو الأمر الذي تسبب بفوضى. وبحسب ريز: "لقد كان الحضور الرسمي للمباراة النهائية 37174 مشجع، لكن المشجعين الأخرين قالوا إن تذاكرهم لم يتم تفحصها بشكل جيد عندما دخلوا للملعب الذي يتسع لأربعين ألف مشجع. حيث قال أحد مشجعي أستراليا: «عندما وصلنا إلى الملعب، لم يكن هنالك أي شخص يتفحص تذاكر الدخول، كان هناك فقط من يُرشدنا».

وأضاف: "لم يكن هناك ماسح باركود ضوئي كما هو الحال مع المباريات الأخرى التي سبق أن حضرتها (كانت جميعها مكسورة). بل لم يكن هنالك أحد ينظر لتذاكرنا، ولم يكن يُطلب منا تقديم التذاكر لرجل البوابة أو موظف المدرجات، بل لم يكن هناك أحد. لذا، كيف توصلوا إلى عدد الحضور الرسمي دون تفحص تذاكرنا؟".

وقد تم إيقاف آلاف المشجعين من مغادرة الملعب بعدما تقدمت اليابان على أستراليا بهدف مقابل صفر في الأشواط الإضافية، حيث اُحتجزوا داخل محيط الملعب خلف الأسوار المغلقة بسبب عرض ألعاب نارية تم إطلاقها خارج الملعب.

ماذا إذن، هل لدى قطر ميزة؟ الإجابة قصيرة: تتمتع قطر بجبل من الثروة البتروكيماوية، وبلد صُنفت دائمًا بأنها أعلى دخل للفرد في العالم، وفقًا لمقياس صندوق النقد الدولي. وفي الفيفا، الهيئة الرياضية العالمية، وجدت قطر شريكًا على أتم الاستعداد لمغازلة فساد بسيط. وعلى مر السنين، تم فضح الفيفا على أنها عصابة تتنكر في هيئة تهتم بالرياضة الدولية. وقد كتب أندرو جينينغز في كتابه الصادر عام 2014م أوميرتا - أندرو جينينغز هو صحافي محقق من إسكتلندا وهو أيضًا مؤرخ شديد الحساسية فيما يتعلق بتلاعب الفيفا - أن قيادة الفيفا.. تتصف تمامًا لما يُعرف بجماعة إجرامية منظمة".

لذا، لم يكن مستغربًا عندما ذكرت صحفية ذا صندي تايمز في عام 2014م أن منافسة قطر الناجحة كانت تتوقف على رشوة بلغت قيمتها 5 ملايين دولار لمختلف المسؤولين. كما قدمت صحيفة بي بي سي موجزًا عن تقرير ذا صندي تايمز لأولئك الذين ليس لديهم اشتراك في صحيفة ذا صندي تايمز.

لقد حصلت صحيفة ذا صندي تايمز على ملايين الوثائق السرية، مراسلات بريدية ورسائل وحوالات بنكية، والتي تزعم أنها دليلٌ على أن محمد بن همام المسؤول القطري لكرة القدم قد قدم أموالًا تبلغ قيمتها 5 ملايين دولار أمريكي لمسؤولين في كرة القدم مقابل دعمهم لملف قطر.

وتُظهر الوثائق أيضًا كيف أن بن همام كان يدفع الأموال مباشرة لمسؤولي كرة القدم في أفريقيا لشراء دعمهم من أجل الملف القطري. وتعامل نائب رئيس الفيفا ميشيل بلاتيني مع الأصوات المزعجة بعد صدور التقرير، مؤكدًا للجميع أنه «في حال ثبت الفساد، فسوف يتم التصويت من جديد». ولكن كما تلاحظون، ما زالت قطر تتربع على عرش المستضيفة التالية لكأس العالم. في هذه الأثناء، يجدر الإشارة إلى أن 22 عضو فقط من اللجنة التنفيذية البالغ عددهم 24 عضوًا في الفيفا كانوا جاهزين لتقديم أحكام بشأن عروض الاستضافة، ذلك لأن اثنين من الأعضاء «تم القبض عليهم وهم يحاولون بيع أصواتهم لصحفيين متخفين»، حسبما ذكر بريان فيلبس من صحيفة غرانتلاند.

ولكن هناك شيء آخر يتعلق بكأس العالم في قطر قد لا يتم تجاهله بسهولة. في مرحلة ما خلال عملية تقديم العطاءات، كان على المسؤولين القطريين أن يفكروا في الوسائل التي يمكنهم من خلالها إنشاء بنية تحتية عالمية لكرة القدم والتي هي من متطلبات البطولة. كان عليهم أن يُسخِروا قدراتهم في مجالات مثل بناء الملاعب. وفي حين أننا لا نستطيع أن نحدد بدقة ما إن كان قد تم إخبار الفيفا بذلك، إلا أنه يمكننا بالتأكيد أن نوضح كيف سعت قطر نحو بناء كأس العالم الذي يحلمون به: عن طريق أعمال قسرية تشبه شكلا من أشكال العبودية الحديثة.

وتشمل الممارسات العمالية في قطر ما يسمى نظام الكفالة، وهو ترتيب موجود بأشكال مختلفة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية. ويهدف النظام إلى مراقبة وإدارة العمال المهاجرين الذين يأتون إلى أماكن مثل قطر من الدول الأكثر فقراً (ذكرت صحيفة الجارديان أن العمل قبل انطلاق كأس العالم أدى إلى تدفق العمال المهاجرين من نيبال والهند).

حيث ينبغي على المهاجرين من أجل العثور على عمل في قطر أن يجدوا صاحب عمل لكفالتهم أولاً، وبالتالي يصبحون مرتبطين بهم. وبذلك يتم منع العمال المهاجرين من أي وسيلة للتفاوض من أجل أجور أو شروط أفضل أو السعي للحصول على أجور أفضل مع كفيل مختلف. والأكثر من ذلك، أن نظام تأشيرات الخروج من قطر يعني أنه لا يمكن للمهاجرين مغادرة قطر دون جوازات سفرهم وأوراقهم، والتي يتحكم فيها كفلائهم. وهو ما يعني أن أولئك الذين يجدون أنفسهم يعملون في ظروف قاسية قد يجدون أنفسهم عالقين داخل حدود قطر، ولا خيار أمامهم سوى الحفاظ على عبوديتهم المستعصية.

في عام 2014م، أصدر الاتحاد الدولي لنقابات العُمال (ITUC) تقريرًا قاسيًا وصف قطر بأنها «بلدٌ بلا ضمير». كما قال توم لي من ديدسبين «Deadspin»: إن الاتحاد الدولي لنقابات العمال شاهد بعينه عرضًا من الأمور المشمئزة، والتي تم تقديم الكثير منها بواسطة أشخاص قدموها بالأصالة عن أنفسهم وهم من العُمال المهاجرين. (أحدهم كان يقرأ: "ذهبت إلى الموقع هذا الساعة 5:00 صباحًا، وكان هُنالِك دِماء في كل مكان، لا أعرف ما حدث، ولكن تم التستر على الموضوع دون كتابة أي تقرير، وعندما أبلغت عن الأمر، قيل لي إن لم أتوقف عن الشكوى، سأُفصل").

وكما أشار لي في ذلك الوقت: "يقدر الاتحاد الدولي لنقابات العمال أن 4,000 عامل مُهاجر سيموتون قبل كأس العالم 2022م، وأُعِد هذا التقدير بناءً على تقديرات الوفيات التي أُبلِغت السفارات عنها سابقًا داخل البلاد".

ولم تكن نتائج الاتحاد الدولي لنقابات العُمال جيدّة في قطر، ولكن مع ذلك طلبت الحكومة من مكتب المحاماة الدولي دي إل أي بيبر DLA Piper القيام بمهمة تقصي الحقائق، كما ذكرت صحيفة الجارديان في شهر مايو من عام 2014م.

والجدير بالذكر أن تقرير مكتب المحاماة الدولي دي إل أي بيبر دعا إلى إجراء بعض التعديلات على نظام الكفالة الذي يتعرض لانتقاداتٍ كثيرة والذي يربط العمال بأصحاب العمل. كما أنه يحتوي على نفس الرقم الذي ذكرته الحكومة القطرية، الرقم الخاص بأعداد المهاجرين الذين ماتوا على الأراضي القطرية: 964 من نيبال والهند وبنغلاديش في 2012م، و2013م. وتوفّي 246 بسبب «السكتة القلبية المفاجئة» في عام 2012م، بحسب التقرير، وتوفي 35 شخص بسبب السقوط من أعلى، كما ذكر التقرير أيضًا أن 28 شخصًا ماتوا مُنتحرين. وكان عدد الوفيات الناجمة عن إصابات العمل منخفِضًا.

وقدم تقرير شركة دي إل أي 62 توصية من أجل الإصلاح. لكن لا يبدو أن أيًا من هذه التوصيات قد تم النظر فيها بشيء من الحماس. وفي شهر نوفمبر من عام 2014، أفاد بيت باتيسون الذي يعمل لدى صحيفة الغارديان بأنه قد تم اكتشاف«الآلاف من العمال الأجانب من شمال كوريا» يعملون في مواقع البناء في قطر، وتم تسهيل وجودهم من خلال ترتيب بين البلدين يرقى لمستوى «العبودية التي ترعاها الدول.» ووفقًا لباتيسون:

وفقًا لشهادات العاملين والمنشقين، فإن العمال من هذه الدولة المعزولة يقولون إنهم لا يستلموا شخصيًا أية رواتب تقريبًا أثناء تواجدهم هذه الإمارة الخليجية في الثلاثة أعوام التي يُمضونها عادة هناك.

وهم يعملون وهم يتوقعون أنهم سيحصلون على رواتبهم عندما يعودون إلى كوريا الشمالية، ولكن وفقا لسلسلة من الشهادات من المنشقين والخبراء، يحصل العمال على قدر قد يبلغ 10٪ من رواتبهم عندما يعودون إلى ديارهم، وقد لا يحصل بعضهم على أي شيء. وأخبر أحد العمال الكوريين الشماليين عند أحد مواقع البناء في وسط الدوحة صحيفة الغارديان قائلاً: "نحن هنا لنحصل على العملة الأجنبية من أجل وطننا."

وفي شهر مايو التالي، وثق صحافيون يعملون في مجال التلفزيون – في تقريرٍ أوسع حول فساد الفيفا – بشكلٍ أكبر ظروف العمل القاسية التي تعمل فيها القوة العاملة الأجنبية في قطر. ووفقًا لديانا موسكوفيتس التي تعمل لصالح موقع ديدسبين، فإن "الصحفيين الذين يعملون في المشروع قالوا إنهم احتجزوا، وإنه تم مسح كافية المواد الخاصة بهم، وإنه تم تكسير معداتهم أثناء قيامهم بالتصوير في قطر."

وليس من المستغرب أن اتحاد النقابات الدولي انتقد في شهر أكتوبر من عام 2015 قطر مرة أخرى لسماحها بازدهار«عبودية العصر الحديث»، كما صرح الأمين العام لاتحاد النقابات الدولي قائلاً،" تم استخدام وعود الإصلاح كغطاء لجذب الشركات والحكومات كي تقوم بالتجارة في قطر في الوقت الذي تطلق فيه هذه الدولة الخليجية مشاريع بنية تحتية ضخمة من أجل استضافة بطولة كأس العالم في عام 2022."

وفي شهر مارس من عام 2016، انضمت منظمة العفو الدولية إلى الشجار بجدية أكبر من ذي قبل بتقرير مكون من 80 صفحة عنوانه: «الجانب القبيح من اللعبة الجميلة: استغلال العمالة في قطر في المكان الذي ستعقد فيه بطولة كأس العالم.» واستنادًا على قصص شخصية من أكثر من 200 عامل أجنبي في قطر، وجدت منظمة العفو الدولية أن الدولة المضيفة تلعب اللعبة القديمة ذاتها. وكما ذكرت شبكة سي إن إن:

ومن ضمن الانتهاكات التي وجدت: إقامة العمال في «أماكن إقامة ضيقة ومزدحمة»؛ ومصادرة جهة العمل لجوازات العاملين، وتهديد العاملين لقيامهم بالتذمر من ظروف العمل، واضطرار العاملين لدفع مبالغ تصل لـ 4300 دولار لجهات التوظيف في موطنهم من أجل الحصول على وظيفة في قطر، بالإضافة إلى عدم تلقي البعض منهم لأجورهم منذ شهور.

وليس من الواضح أن تغيرًا كبيرًا قد حدث في قطر في الأشهر الأخيرة. ففي شهر مارس 2017، منحت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة قطر موعدًا نهائيًا في شهر نوفمبر 2017 «لتنفيذ إصلاحات عمالية جديدة تهدف إلى وضع حد لسوء معاملة العمال المهاجرين أو ربما تواجه تحقيقاً من قبل رقابة عمالة دولية في الفترة التي تسبق الاستضافة».