-A +A
عبده خال
نحن لا نعرف بلادنا.

نعم، هي جملة تقريرية إلا أن الواقع أثبت صوابها.


أمضيت الكتابة في الشأن العام منذ زمن بعيد، وظل تراثنا (بجميع صنوفه) مادة أشبه بجملة (قربة مثقوبة) أي أن النافخ مهما نفخ فهواء رئتيه يتبدد في الهواء.

وظلت آثارنا في مهب الريح، سواء كانت آثارا مادية أو حكائية أو ما يتعلق بالمدن، وعندما أتحدث عن الآثار أجد نفسي -دائما- أذكر الآية الكريمة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) كتدليل أن بلادنا لها قدم لم يصل إليه التاريخ، وأنها صاحبت البشرية منذ المبتدأ، وأنها أرض مباركة وهداية للعالمين.

ومع هذا الدليل الصريح لم تنهض الجهود لإظهار هذه الحقيقة التي تتوغل في التاريخ، فتكون أقدم أثر على أرض أعمق تاريخيا من الأهرامات وحدائق بابل وأقدم أيضا من الجمجمة الإندونيسية التي يشار على أنها أقدم تواجد بشري على الأرض.

وإذا جلنا في التاريخ والحفريات والآثار فإن كثيرا من مدننا لها تواجد حضاري، وهذا ليس تنطعا، بل حقيقة لم نعرف كيف نظهرها، فهل نعرف الحضارات التي مرت بمكة، أو بتيماء، أو إرم ذات العماد، أو حائل، أو مدائن صالح، أو الفاو، أو نجران، أو الأحساء، أو القطيف أو.. أو.. أو..

نحن نحتضن حضارات متعددة ومتنوعة ومع ذلك نامت آثارنا داخل عقول تحرم كل شيء حتى البحث عن شواهد عظيمة لحضارات سادت وبادت..

وكل المقالات التي كتبتها في هذا الشأن ذهب مدادها في الهواء، وتذكرت أنني أنفخ في قربة مثقوبة.

ربما الآن أخذنا نستوعب معنى الأثر الإنساني من خلال المدن تحديدا، فقد تم إدخال العديد من مدننا إلى سجل المدن الأثرية العالمية وسعينا الحثيث (المتأخر) لضم تلك المدن كتراث عالمي من خلال اليونيسكو.

وآخر المدن التي تم ضمها للمدن الأثرية عالميا، هي الأحساء، وتقول كتب التاريخ أنها تواجدت قبل 5 آلاف سنة قبل الميلاد..

وإذا كان المجهود الأخير نهضت به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فإن أدوارا أخرى يجب أن تنهض بها مؤسسات الدولة، أو المؤسسات الخاصة بإظهار هذا العمق التاريخي، كأن توضع هذه المدن في بعض العملات النقدية وأن توزع على الطوابع (كطابع رسمي)، أو أن تكون واجهة لسفاراتنا في كل مكان، وأن توضع شعارات سياحية.. أعتقد أن هذا أقل القليل الذي يجب حدوثه على الأقل كي نتعرف على آثار بلادنا.