-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
أتابع مثل كثيرين ردود الأفعال الغاضبة على زيادة فواتير الكهرباء وشركتها، وهي بالفعل زيادات نارية أشعلت الغضب واللغط، لكنها كشفت إشكالية حقيقية ناجمة عن صدمة الفواتير، وتكشف أيضا من خلال حالات معلنة عشوائية قراءة العدادات وتقدير الاستهلاك بما لا يعكس الحجم الحقيقي له، وفي حالات عديدة شكا البعض من مفارقات عن استهلاك غير حقيقي لعدم وجود السكان في مساكنهم. وفي كل الأحوال لابد من سداد المبالغ على طريقة، ادفع بالتي هي أحسن، ثم اعترض واشتكِ، وموضوع الاعتراض والشكوى قصة أخرى تتطلب رسم إعادة قراءة للعداد (150 ريالا) وأنت وحظك، إما تضاف لك أو تضيع عليك، وبالتالي الشكوى لغير الله مذلة في هكذا حالات.

إذا كانت الفواتير بهذه الزيادات على الجيوب وموجعة للقلوب، فهل ستأتي كل تلك الانتقادات بنتيجة؟ قطعا على المدى القصير ليس من المتوقع إيجاد حل، ولن يأتي هذا الصراخ الإلكتروني على شبكات التواصل بأي مردود، لأن شركة الكهرباء أوضحت ما لديها من أسباب مختصرة تنحصر في توجيه اللوم على الطقس الحار واستخدام أجهزة التكييف، لكنّ من باب التذكير أن الناس كانت متوقعة للزيادة، وبالتالي يكون البعض أكثر ترشيدا ولو قليلا، لكن جاءت الزيادات عالية الفولت.


في مثل هذه الحالة بين شركة الكهرباء والمتكهربين معها وبها، كنا نتمنى لو أوضح المسؤولون حقائق أكثر من خلال وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، وبالتالي العالم الافتراضي الذي يتفاعل مع كل شاردة وواردة ويبحث عن معلومات تقنعه، ليس فقط مسألة الفواتير على أهميتها، إنما نقاشات حول حجم الإنتاج الحالي من الكهرباء والقدرة المتاحة والمطلوب حاضرا ومستقبلا، وحجم الاستهلاك وقضية الترشيد، وذلك من خلال خبراء الاقتصاد والطاقة لإيضاح الحقائق بدلا من غياب المعلومة، ولهذا لا نستغرب كل هذا الجدال، وللأسف تجاوزات تفتقد النقد الموضوعي.

نعم الحلول متعددة على المدى المتوسط، لأنها تستغرق سنوات، منها إنتاج الطاقة البديلة وأقلها تكلفة الطاقة الشمسية، وبلادنا تتمتع في معظم مناطقها بمساحات مشمسة وصيف طويل، وقد بدأت مشاريع عملاقة، لكن تعميمها وتوسيعها يحتاج إلى استثمارات ومدى زمني لسنوات قليلة، وأيضا محطات نووية لإنتاج الكهرباء وهي آمنة وقدراتها الإنتاجية عالية لكنها مكلفة، وفي كل الأحوال بلادنا تتجه إلى تعزيز هذا القطاع الذي ينتظر دور القطاع الخاص، إضافة إلى الربط الكهربائي مع عدد من الدول في المحيط الخليجي والعربي وتبادل الكهرباء في أوقات الذروة.

تبقى قضية الاستهلاك والحاجة إلى الترشيد كضرورة وفضيلة، سواء رخصت الفاتورة أم اشتعلت، وهذه الثقافة ليست مترسخة في استهلاكنا لأشياء كثيرة بلا تنظيم، أبسطها لمبات مضاءة ومنسية، وأكثرها كلفة مكيفات تعمل دون حاجة في زمن أصبح فيه أفراد الأسرة يحرصون على الاستقلالية والسهر، بينما تجيد الكثير من الشعوب فقيرها وغنيها ثقافة الترشيد في كل شيء، فلا إسراف وبذخ، ولا مخلفات من النعم، ولا تكديس في خزنات الملابس والثلاجات التي لا تجد عندنا متنفسا للهواء والتبريد.

أعود وأقول إن الصيف الملتهب وضعف ثقافة الترشيد لا يبرران مثل هذه الزيادات المؤلمة في الفواتير وهي مسؤولية الجميع، وعلى الشركة إيجاد الحلول، ولابد من سرعة الاستثمار في إنتاج الكهرباء وتأسيس شركات منافسة تزيد الإنتاج وتنهي الاحتكار. وأخيرا الرشد في الانتقاد بكثير من الموضوعية يقابلها حقائق وأمل في الحلول.

* كاتب سعودي