-A +A
أريج الجهني
إن المتابع للحراك الثقافي في المجتمع يجد تنوعا جميلا في الطرح الفكري، بالطبع ليس بالضرورة أن يعجبنا كل شيء، لكن هناك اجتهادات متنوعة بعضها حقيقي وبعضها مزيف، وهدفه البريق فقط تحت الأضواء، كل هذا لا يهم طالما أننا نستطيع رصد هؤلاء الحقيقيين، ولكن كيف يصنف نعوم تشومسكي المثقفين؟ وما هي مسؤولية المثقف الحقيقي التي طرحها في مقال ثم ضمنها في كتابه «من يحكم العالم»، تصنيف تشومسكي سيجعلك تفهم جيدا المشهد الثقافي أو ربما يكون أداة للمهتمين أو حتى أصحاب السلطة لاختيار من يمثلهم.

بداية يعرض تشومسكي قصة الكاتب والأديب الفرنسي الشهير «إميل زولا» صاحب المقال «إني أتهم» الذي جاء في الدفاع عن الجندي الفرنسي «دريفوس» والذي اتهم بالخيانة العظمى، ثم اتضحت براءته ومُنح العفو، تشومسكي يعد أحد عوامل ظهور براءته بل السبب الرئيسي هو هذا المقال الذي نشره زولا مدافعا عن هذا الجندي، والذي وجهه حينها لرئيس الجمهورية الفرنسية، حيث اعتقد زولا أن سبب تهمة هذا الجندي سبب عنصري.


رغم ذلك واجه زولا العديد من العذابات بسبب دفاعه المستميت عن المظلومين والفقراء وعمال المناجم، هرب إلى لندن لزمن وعاش بها مشردا مهموما ثم عاد لاحقا ولقي حتفه مختنقا في غرفته، حينها لم تعلن السلطات الفرنسية أن كان حادثا عرضيا أو جريمة قتل، ولكنه دفن في مقبرة عظماء فرنسا، وتباكت عليه لاحقا الصحف والأوساط الثقافية، ونعاه روزن إن في كتاب «اختفاء زولا».

الحقيقة لا أعلم ما هي أدوات تحكيم المقالات والأفكار بالمجمل، بل ما كفاءة المحكمين، والأهم من يستمع لهؤلاء، لعل وزارة الثقافة تعقد ورشة عمل تدعو لها صناع الصحافة والكتاب والمثقفين لوضع ميثاق ثقافي وفكري، أو حتى خريطة عمل لما نمتلكه وما نحتاج إليه، التخطيط الثقافي إما أن يقوم من حاجة اقتصادية ملحة فيكون خطنا براغماتيا عالميا، وإما أن يكون اجتماعيا تقليديا يمارس دور الموجه، وهذا سيكرس الفكر الوصائي الذي قد لا يتناغم كثيرا مع رؤية ٢٠٣٠ ولا يخدمها.

نعود لعرض تصنيف نعوم تشومسكي للمثقفين، فهو يصنفهم لنوعين لا ثالث لهما «المثقف الحر أو المستقل، ومثقف السلطة، أو كما حددهم أعضاء الأكاديمية»، ويعني تشومسكي بالأول هو المثقف الذي ينطلق من الحس الأخلاقي بأهمية الوعي والضمير مهما كلفه الثمن، وضرب أمثلة بعدد من الفلاسفة أمثال رسل وكانط، وبالثاني يعني المثقف الذي يعي دوره الثقافي ولكن بذات الوقت يعزز قيم المؤسسات التي يمثلها، واستشهد بجون ديوي وفلسفته، وأكد كيف عاد لاحقا ليؤكد ضرورة تعزيز مفهوم الصحافة الحرة.

المثقف الحر والمثقف المسؤول كلاهما ضرورة للمجتمع، بناء أصوات ثقافية شابة حاجة ملحة لنفهم أين نحن وإلى أين سنذهب، بل الواقع يؤكد أن المثقفين بمختلف توجهاتهم يدعمون سلطة الدولة ويقفون بينها وبين أصحاب المصالح العليا أو لنقل المتنفذين، وهذا ما أشار إليه تشومسكي أيضا، فمن خلال رفع الوعي يصبح هناك وقاية من المنتفعين، الآن هل يواجه المثقف السعودي أزمة مع الشارع؟ وهل المثقف يتحدث من برجه العاجي كما يصف البعض مثقفينا، هذه أسئلة ليست للإجابة إنما للمعالجة، والمعالجة تأتي بمعالجة الخطاب المجتمعي والعمل الجاد لتنمية مهارات التفكير والأهم إدراج الفلسفة كمقرر رسميا في مراحل التعليم العام.

* كاتبة سعودية

Amaljuhani@ksu.edu.sa