-A +A
صدقة يحيى فاضل
لا أفقه في شؤون الرياضة إلا نزرا محدودا جدا من المعلومات. وأقصى علمي أن «المشي» هو خير رياضة، وأجمل وأفضل تدريب جسماني ونفساني، لكل الأعمار. ورغم ذلك، فإنني ومن منطلق الإيمان العميق بأن العقل السليم في الجسم السليم، وأن من أفضل وسائل الحفاظ على الجسم السليم هي الرياضة، وبمناسبة مسابقة كأس العالم في روسيا 2018م، أجد نفسي مهتما - تلقائيا - بهذه الأداة، وأجد لدي تصورا عما يجب أن تكون الرياضة عليه في مجتمعنا. وأغتنم فرصة كأس العالم ومشاركة منتخبنا، لتلخيص هذه الرؤية.. لعل المعنيين يجدون فيها ما قد يفيد.

كثيرا ما أفكر في طبيعة ودور الرياضة في مجتمعنا، وخاصة في مجال «كرة القدم»، وما عليه الآن هذه اللعبة ذات الشعبية الأولى في معظم بلاد العالم. فلا شك أن لها دورا مجتمعيا (إيجابيا وسلبيا) كبيرا. ويمكن تبين ذلك من تحديد أهداف وتأثير ممارستها، أو مشاهدتها، أو الانخراط في شؤونها المختلفة والمتعددة. وفي ظني أن أهم أهداف هذه اللعبة الإيجابية يمكن إيجازه فيما يلي:


1- الحفاظ على صحة الأبدان. 2- التسلية والترفيه البريء. 3- إتاحة فرص للشباب لتنمية إمكانات بدنية وذهنية فيهم. 4- خلق أجواء للتعارف والتعريف. وبالنسبة للدول، يعتبر التفوق في أي من الألعاب الرياضية عنصرا من عناصر القوة الناعمة. علما بأن أهم عناصر القوة الناعمة للدول هي: تطبيق المبادئ المبجلة إنسانيا وعالميا، وإنشاء المراكز الثقافية، والتفوق في البحث العلمي.

لعل تلك هي أهم الأهداف الإيجابية من هذه اللعبة الجماعية الأولى في العالم. وبما أن كل شيء - تقريبا - يمكن استخدامه بالإيجاب أو السلب، كذلك كرة الأرجل والرياضة عموما... يمكن أن تستخدم إيجابا لتحقيق أهدافها الايجابية، ويمكن أن تستخدم سلبا... لتحقيق «أهداف» غير نبيلة، منها: طلب الوجاهة، والمقامرة، أو التفاخر، أو التعنصر، أو إشغال الناس عما هو أهم...إلخ. ومن يقوم بذلك يرتكب -في رأيي- جرما في حق مجتمعه.

****

يقال إن هذه اللعبة الشعبية الأولى أدخلت إلى بلادنا منذ حوالى سبعين عاما، ويلاحظ أنها ازدهرت وانتشرت كثيرا في العقود الأربعة الأخيرة. وما زلت أعتقد أن أقدم الأندية الرياضية السعودية هو نادي الوحدة بمكة المكرمة، مع الاعتذار لصديقي الدكتور أمين ساعاتي. ولاحظت أننا اختزلنا معظم الرياضة البدنية في كرة القدم. وفي ذلك جناية على ألعاب رياضية أخرى أمتع وأنفع. فمن أسوأ ما يلاحظ هو: أن معظم الأندية الرياضية في بلادنا تعتبر كرة القدم الأهم على الإطلاق، بل اللعبة التي غالبا ما تمثل قرابة 90% من كامل تواجد ونشاط أغلب أنديتنا. ثم تختزل كرة القدم نفسها في شيء اسمه «الفوز»، و«الفوز» فقط. حتى يبدو أن هناك مراهنات تقام من أجل هذا الانتصار.

عندما يفوز فريق النادي - ولو صدفة، أو بسبب بؤس الطرف الآخر – يكال له وللاعبيه وإدارييه المديح المبالغ فيه، ويكاد البعض يطالب لهم بأوسمة وعطايا وهدايا...إلخ. أما «الهزيمة» فإنها كثيرا ما تعتبر كارثة، من قبل الأنصار. على إثرها تقام المآتم، ويقال المدرب، وربما الإدارة أيضا. لقد أصبح الفوز هدفا ووسيلة.

وفي سبيل تحقيق «الفوز»، كثيرا ما تستخدم كل «الوسائل»، وكثيراً ما تحول هذه اللعبة إلى مجرد أداة للمراهنة والتفاخر بين المعنيين، وتتوارى الأهداف الإيجابية منها، ومن الرياضة عموما، وينتهي الأمر بمشاهدة «مصارعة» من نوع خاص، بين مستثمرين ــ لمالهم ووقتهم ــ لا يبتغون، كما يبدو، تحقيق الأهداف الطيبة لهذه اللعبة، بقدر ما يسعون لتحقيق «أمجاد» ومتع شخصية و«انتصارات» وهمية.

****

في كل الأحوال يجب أن تخضع الرياضة لدينا - وباعتبارنا دولة نامية ـ لمبدأ الأولويات. إذ يجب أن لا يطغى الاهتمام بها، والإنفاق عليها، على ما ينفق على الصحة والتعليم ومكافحة الفقر. ويجب أن نعي بأن الدول المتقدمة أصبحت تغدق الإنفاق على الرياضة بعد أن بلغت مرحلة النمــو و«التقدم» في المجالات الأساسية. ومن البديهي أن اهتمامنا بالرياضة يجب أن يتلازم والاهتمام بالشباب، ونشاطه في كافة الجوانب. فالاهتمام يحب أن ينصب على العقل والجسم معاً، لا على الجسم وحسب.

وأعتقد أن المراجعة الشاملة لوضع الرياضة في بلادنا ستنبئ بضرورة إنشاء وزارة مستقلة لـ «الشباب والرياضة». لقد طرح هذا الموضوع للنقاش ــ أكثر من مرة ــ في مجلس الشورى، وعارضته الأغلبية.. ولكن بناء على «مبررات» غير وجيهة ــ كما أعتقد. فأغلب من عارض إنشاء «وزارة» أقام حجته بناء على: «عدم قيام» الرئاسة العامة لرعاية الشباب «بدورها... فكيف تكافأ بالتحول إلى وزارة ؟!». هذه حجة غير صحيحة. فالرئاسة قامت بدور في حدود إمكاناتها، وأن لم تنجح كثيراً. وحتى لو افترضنا أنها لم تقم بالدور المطلوب منها: هل يبرر ذلك معارضة تحويل «الرئاسة» إلى وزارة... تتحمل مسؤولية أكبر وأشمل، وتحظى بإمكانات أكثر؟!

إن قيام هذه الوزارة أصبح مطلباً ملحاً ــ في رأيي ــ لا سيما أن أكثر من 60% من مواطني المملكة هم من الشباب. ويجب أن يتلازم مع ذلك وضع إستراتيجية شاملة للنهوض بالرياضة والشباب في هذه البلاد، لما لذلك من أهمية وطنية واضحة. ويجب أن تشمل هذه الإستراتيجية: فتح الأندية الرياضية والاجتماعية لكل الشباب، وإتاحة الفرص للجميع لممارسة رياضتهم المفضلة، والتركيز على كل الألعاب الرياضية، وليس على لعبة أو اثنتين.

كما يستحسن تخفيف مشاركة الأجانب في مسابقاتنا الرياضية، لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من المواطنين للانخراط في الرياضة. وينبغي أن يعاد النظر في قضية «التمويل»، ودور المال في النشاط الرياضي في البلاد... بحيث نضمن عدم طغيان التنافس المادي على النشاط الرياضي، لما له من انعكاسات سلبية كبرى على هذا النشاط لمسها كل من يتابع المسابقات الرياضية السعودية.

****

وإتاحة ممارسة الرياضة لجميع الراغبين في ممارستها هو واجب على «وزارة» الشباب والرياضة يجب أن تقوم به، عبر تسهيل هذه الممارسة، وجعلها في متناول الناس، من الجنسين ومن كل الأعمار. فمثلاً، بدل أن يضطر رجال ونساء وشباب وشيوخ لممارسة رياضة المشي أو الجري، في الشوارع والأزقة، وحول الأسوار الواسعة (مثل ما يسمى بـ «سور الحوامل» في جدة، وسور غير الحوامل...إلخ) لابد من توفير مماشي ومضامير مشي وجري مناسبة، في مختلف الأحياء، وخاصة في الحدائق العامة، وكما عمل مؤخرا في كورنيش جدة. وربما حان الوقت للسماح بإقامة أندية رياضية نسائية.

وبما أن المسابقات الرياضية هي الميدان الذي تمارس في إطاره الرياضة المنظمة، فيجب العمل على تفعيل دوري للمدارس والجامعات بالمملكة، كدوري المدارس الثانوية، والجامعات، وفي مختلف الألعاب الرياضة، وليس في لعبة واحدة. وستفرخ هذه المسابقات ــ دون شك ــ رياضيين مبرزين في الألعاب الرياضية المختلفة، بالإضافة إلى ما تحققه من مزايا اجتماعية وثقافية وتربوية معروفة.

تلك هي - باختصار - مرئيات متواضعة بشأن تنمية رياضية سليمة ومتكاملة، تسهم في دعم وإكمال التنمية الشاملة التي نتطلع جمعياً لتواصلها واستمرارها، وتطورها، كخيار إستراتيجي.. لا مناص منه لمن يريد العيش في هذا العصر بعز وكرامة.

* كاتب سعودي