-A +A
هاني الظاهري
من الواضح أن شهية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي مفتوحة هذه الأيام بشكل غير مسبوق على أخبار «الأوليات الفردية السعودية»، وهو شيء جيد عندما يقدم دعاية إيجابية تخدم الصورة العامة للمواطن السعودي، لكنه يتحول إلى ظاهرة سلبية تماماً ومسيئة لصورة الوطن والمواطن عندما يتوسع أكثر من اللازم، وينزلق إلى دائرة المبالغة الممجوجة بهدف تلبية الرغبات الدعائية للشركات والباحثين عن الأضواء دون منجز حقيقي وتغطية المساحات الفارغة في الصحف وأوقات الفواصل في القنوات التلفزيونية.

في السعودية مجتمع حيوي وطموح ومتطور ومبدع، وهو يكاد يكون المجتمع العربي الأول في استخدام التقنية ووسائط الاتصال الحديثة، والسوق السعودية أكثر الأسواق استهدافاً من صناع التكنولوجيا وشركات التسويق العالمية، ولذلك فإننا عندما نحتفي في وسائل الإعلام والشبكات بنماذج تحمل صفة (أول) وهي بدون إنجازات حقيقية، أي لمجرد أسبقية التوظيف في عمل تقليدي ما، فنحن نبث صورة سيئة عن الوطن ونعزز الصورة السلبية عنا لدى شعوب أخرى ترى أننا ما زلنا منذ 70 سنة دولة «جمال وخيام» ولا علاقة لنا بالحضارة والتقدم.


ماذا يعني على سبيل المثال تضخيم خبر «أول سعودية تدير فندقاً» والاحتفاء به، فيما المرأة السعودية منذ عقود تعمل طبيبة ومهندسة وإعلامية وإدارية فذة في البنوك والشركات؟ بل إن من السعوديات من استقطبتهن جامعات وشركات دولية في الخارج لتميزهن، وماذا يعني أيضا الاحتفاء بتعيين أول مهندسة ديكور في شركة طيران مهمتها العمل على تطوير التصميم الداخلي لطائرات رجال الأعمال؟!.. هل يعرف من يطيرون فرحاً بمثل هذه الأخبار الساذجة أن هناك شركات ومكاتب هندسية للتصميم الداخلي منذ عقود في السعودية تملكها وتديرها سيدات سعوديات؟ وأن الجامعات والمعاهد السعودية تخرّج سنوياً مئات إن لم يكن آلاف المختصات بالتصميم الداخلي والديكور.

أتفهم أن تعمل شركة في القطاع الخاص على محاولة تلميع نفسها بإرسال خبر علاقات عامة للنشر في الصحف عن تعيينها لسيدة في إدارة ما من إداراتها، هذه أخبار دعائية هدفها خدمة صورة الشركة أمام الجهات المختصة، لكنني لا يمكن أن أتقبل تسابق مراسلي وسائل الإعلام على إجراء اللقاءات معها والاحتفاء بها وكأنها أول سيدة فعلاً تعمل في المجال الإداري في القطاع الخاص، هذا ضحك على الدقون و«قرطسة» للمجتمع وتشويه لصورته بقصد تحسينها.

كل ما أتمناه في ظل هذه الفوضى في الشبكات والميديا أن لا نضطر مستقبلاً للمطالبة بتأسيس جهة رسمية مهمتها مراجعة وتوزيع صفة «أول» في الإعلام بشكل رسمي، فبعض هذه الأخبار تُقرأ في أذهان الناس خارج المملكة بشكل مشابه لـ«أول سعودي يأكل بالملعقة».

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com