-A +A
يحيى الامير
غدا الحل الطبيعي والمنطقي والوطني لتلك العقدة الطويلة التي طالما ظلت تمثل معركة اجتماعية كبرى في السعودية وعلى مدى سنين طويلة. غدا أيضاً سوف يخسر الإعلام المشاكس المناوئ للسعودية واحدة من أكثر الأوراق التي ظل يرفعها كلما جاء الحديث عن المملكة ونهضتها واعتدالها.

منذ أشهر تدفق الآلاف من النساء إلى مدارس تعليم القيادة بمجرد افتتاحها بعد القرار السامي التاريخي الخاص بتنظيم المرور، والذي يساوي بين الرجال والنساء في أحقية قيادة السيارات. كان ذلك التدفق مؤشرا مهما على حالة تغير واسع في الوعي الاجتماعي السعودي، يتوازى ذلك مع إقبال اجتماعي واسع على مختلف المستجدات التي باتت واقعا في الحياة السعودية. جيل سعودي مختلف في كل شيء ويرى نفسه جزءا من العالم ويريد أن يعيش تماما كما يعيش الناس في المجتمعات التي تتسع فيها الخيارات ويديرها ويحميها القانون.


حياة طبيعية وجدول يومي حافل بالعمل والإنجاز والمتع والخيارات؛ تلك هي المرحلة التي نعيشها اليوم والتي ستشهد تطورا واتساعا حقيقيا في الخيارات يقضي على أي محاذير غير منطقية ويغلق كل الملفات الغريبة التي لا يمكن تبريرها.

المظاهر الجديدة في الحياة السعودية تحولها يوميا إلى واقع جاذب وحيوي، وقيادة المرأة السيارة ستمثل أبرز وأهم تلك المظاهر، الحضور اليومي للنساء في كل مجتمع أبرز تجسيد لكونه طبيعيا ومتحضرا وأبرز تجسيد أيضا لقوة القانون والمؤسسات.

اجتماعيا، لطالما كان مشهد السائقين وهم يقفون أمام أبواب المدارس في انتظار الأطفال مشهدا مؤذيا للغاية، لقد تسبب منع قيادة السيارة في بناء سلوكيات سلبية وغير منتجة، وساهم في تراجع الدور الفعلي للنساء في الحياة العامة وتكريس عدم الفاعلية الأسرية إلا داخل المنزل وتراجع القدرة على العمل والإنجاز والعطاء.

أشبه ما يكون بالاستعداد للجيل الحالي الشاب من الرجال والنساء ممن تقل أعمارهم عن العشرين عاما وهم شريحة واسعة جدا، تتم اليوم تهيئة الواقع السعودي ليكون محفّزا للأفراد على كل صعيد وليكون داعما لتطلعاتهم وحياتهم الجديدة، التي هم أساسها وعنصر قوتها الأبرز.

لقد تراكمت الكثير من الأخطاء في اقتصادنا وفي تعليمنا وفي حياتنا الاجتماعية، وها هي اليوم تشهد واقعا تصحيحيا قويا، تكمن قوته في صواب كل ما يقوم به وفي منطلقه الوطني والمستقبلي المتحضر، وستنتهي كل الأخطاء والعوائق تباعا انطلاقا من هذا التوازي العظيم بين رؤية القيادة وتطلعات الجيل السعودي الجديد.

غدا ستمر الانطلاقة بكل اعتزاز، وستمر أيضا بكل احتفاء، احتفاء كبير من الناس تجاه هذا القرار ليس لذات القرار فحسب بل للقيمة الكبرى التي يمثلها، حياة طبيعية متوازنة.

وغدا أيضا ستصطف الأمهات أمام المدارس في انتظار أبنائهن، وغدا ستوفر كثير من الأسر كل تلك المبالغ التي كانت تدفع للسائقين أو لسيارات الأجرة، وسيحمل النساء مسؤولية جديدة تعزز من موقعهن في مختلف الجوانب.

إن فكرة المنع المطلق فيما تختلف فيه آراء الناس ورغباتهم يعد تحيزا لرأي واحد وهذه ما لا يتسق مع روح الدولة المدنية الحديثة التي تمثل وظيفتها الأولى إمداد الحياة العامة بالخيارات وإدارتها بالقانون والنظام، وكل الخطوات التي نعيشها هي ترسيخ لدولة النظام والقانون والمدنية.

غدا تصبح هذه القضية من الماضي وتواصل الحياة في السعودية ازدهارها، هذا أيضا يجسد جانبا من المعاني الحقيقية لجودة الحياة.

* كاتب سعودي

yameer33@hotmail.com