-A +A
عبداللطيف الضويحي
قليلة هي الأشياء التي نستطيع تحديد بداياتها أو رسم نهاياتها، في العلوم الإنسانية. لأن العشوائية ليس لها بداية، كما أن الفوضى ليس لها نهاية.

يعرف الناجحون بعض أسباب نجاحهم وليس كلها، كما أن من يفشلون يعرفون بعض أسباب فشلهم وليس كلها.


للأسف الأخبار السعيدة وقصائد المديح لا تحجب الحقيقة لفترة طويلة، كما أنها ليست بديلة عن الدراسات الميدانية الوصفية التشخيصية الحالية والمستقبلية.

كان علينا أن نروض أنفسنا ونتصالح إعلاميا وإداريا مع المشكلات اليومية بالبحث عن جذورها وابتكار الحلول لها أولا بأول ولا ننتظر موسم القطاف، حين تكون الصدمة مضاعفة فنتفاجأ ولسان حالنا يقول: اللعنة... كيف وقعت هذه الكارثة غير المتوقعة؟

إن النجاح الحقيقي هو البحث اليومي والدراسات الحثيثة عن حلول للمشكلات القديمة والمستجدة، بل وحتى المشكلات المحتملة.

إن الحلول الواقعية للكثير من مشكلاتنا هي من خارج الصندوق، لأننا ببساطة أناس ومجتمعات لا ترتبط بالمهنة والحرفة والتخصص كمرجعية وانتماء وقيمة، قدر ارتباطنا وانتمائنا لسطوة وتأثير ثقافتنا ومرجعيات ثقافتنا غير المهنية.

إن التحدي الممتع في العمل العام والخدمة العامة هو التعامل اليومي من خلال البحث والدراسات لكل المشكلات المرتبطة بثقافة المجتمع (خارج الصندوق) فلا تقتصر على المهنة أو القضية موضوع البحث.

هذا لا يعني بطبيعة الحال أنني أقلل من قيمة وأهمية الأسباب المهنية والفنية المباشرة وغير المباشرة، لكننا تعلمنا أن المجتمعات التي لم تتحول بعد لمجتمعات التخصص والمهنة والحرفة أو تصبح المهنة والتخصص فيها مرجعية للطبقة الوسطى وغالبية الطبقة الدنيا، لا تحاكمها وتقيمها مهنياً، بل تحاسبها وتحاكمها استناداً إلى ثقافتها، لأن عللها ومشكلاتها في ثقافة أناسها ومجتمعاتها، وأن ما يجب دراسته وبحثه هو ثقافة المجتمع كمرجع للإنسان بديل عن مرجعية المهنة والحرفة والتخصص، إلى أن تتحول تلك المجتمعات إلى مجتمعات تسودها المهنة والتخصص والحرفة.

مشكلات كرة القدم لدينا قد تكون غير رياضية وقد تشترك جذور مشكلاتنا الرياضية مع جذور مشكلاتنا القبائلية والعائلية والتربوية والصحية و و و و.. أكثر من أنها مشكلة مدرب أو لاعب أو أرض ملعب أو جمهور.

كثيرا ما تكون هناك علاقة بين المشكلات بصرف النظر عن الوزارات والمؤسسات التي تديرها وتشرف عليها، لأن غالبية تلك المشكلات خاصة الإنسانية والتنموية منها تنبع من نبع مشترك. فعلى سبيل المثال؛ لدينا مشكلة في غياب أو ضعف عمل الفريق الواحد، وهذه موجودة في المؤسسات وبين طلاب الجامعات ومع الشراكات التجارية تماما مثلما هي سائدة في فرقنا لكرة القدم ومبارياتنا. فهل يجوز التغاضي عن مشكلة غياب روح العمل الجماعي والفريق الواحد؟ وهل يجوز اعتبارها لا تخص أحد هذه المجالات؟

مشكلة أخرى وهي مزمنة في ثقافتنا تعايشنا معها منذ القدم ومنذ عصر القبيلة وهي ما يسمى إداريا «كل شيء تمام»، كما أننا تعايشنا مع مشكلتنا الإعلامية منذ ذلك الزمن وهي أن كل شيء «تمام يافندم».

ومع ذلك ما زلنا نتفاجأ عند أقرب محطة وأسهل اختبار بالصدمة، سواء كان حريقا في مدرسة أو انهيار أنفاق تحت المطر أو وفاة مريض لم يجد سريرا في مشفى أو انتشار وباء أو مرض في إحدى المناطق أو زحمة مرورية في بعض المدن أو تكدس مسافرين في بعض المطارات.

فنتفاجأ ولسان حالنا يقول: اللعنة.. لماذا حصلت الكارثة؟ وكيف حصلت وقد اتخذنا كل الاحتياطات الضرورية لتفادي وقوع مثل هذه الصدمات والكوارث غير المحسوبة وغير المدروسة؟

نعم لقد اتخذت يا سيدي كل الاحتياطات المبنية على معطيات وقناعات ليست حديثة وليست شاملة وليست موضوعية! فكانت النتيجة مفاجئة وخارج الحسبان.

إن النجاح معزوفة واحدة لفرقة موسيقية واحدة لا يمكن أن يشترك العازف الماهر وغير الماهر بعزف مقطوعة واحدة، لأن الثاني يؤثر على الناتج النهائي.

إن مشكلاتنا تتناغم مهنة الإدارة ومهمة الإعلام وكل المهن في عزف النجاح الحقيقي، وما عدا ذلك لا أراه منسجما مع الروح الجديدة والنفس الجديد الذي يتنفسه الناس هذه الأيام مع التطلعات المأمولة من رؤية 2030 وبرامج التحول.

من لا يقبل التحديات اليومية ويعمل عليها ويوجد لها الحلول أولا بأول، عليه ألا يتفاجأ في موسم الحصاد.. ومن لا يعالج المشكلات من جذورها، عليه ألا يختزل الحلول باللغة. لأننا ملأنا معاجمنا وقواميسنا بمفردات المبالغة اعتقادا منا بأن الكلام يمكن أن نعوض به غياب الفعل أو قلة الفعل.