-A +A
عبدالله صادق دحلان
ينشغل الملايين من متابعي مباريات كأس العالم في مختلف أنحاء العالم بمشاهدة مباريات المنافسة لكأس العالم في روسيا وتتحمس الشعوب في تشجيع فرق دولها المشاركة ولاعبي دولهم. ومنذ ستة شهور والجميع يتابع الحدث في انتظار افتتاح مباراة كأس العالم الذي تم يوم الخميس الماضي في موسكو العاصمة الروسية بحضور الرئيس الروسي وزعماء من مختلف دول العالم ومنهم ولي عهدنا الشاب سمو الأمير محمد بن سلمان دعماً ومساندة لفريق المملكة العربية السعودية، بصرف النظر عن النتائج. وتنشغل وكالات الإعلام والإعلان ووسائط النقل، وتستنفر روسيا جميع قواتها لحماية الملايين من السياح والمتابعين والمشاهدين والحاضرين لمسابقة كأس العالم، ومنذ أربع سنوات وروسيا تخطط لهذه المناسبة والتي صرفت عليها حوالى (13.2) مليار دولار حسب الميزانية المخصصة للبطولة من الحكومة الروسية. وتعتبر هذه الميزانية الأكبر في تاريخ البطولات لكأس العالم على مر التاريخ منذ بداية المسابقة الدولية لكأس العالم لبطولة كرة القدم. وهي ميزانية وجهت لإعادة تطوير البنية التحتية وبناء بنية تحتية جديدة وتطوير المطارات الروسية وتطوير وسائط النقل القطارات وطرق الحافلات. ويعتبر الإنفاق الحكومي الروسي لهذه الميزانية يمثل 1% إلى الناتج الإجمالي المحلي في الأعوام الخمسة الماضية. ورغم أن العديد من الدول تتردد في الترشيح لاستضافة بطولات رياضية كبرى مثل بطولة كأس العالم أو الألعاب الأولمبية الأخرى بسبب التكاليف الباهظة للإعداد والتنظيم والتنفيذ ودعم البنية التحتية. التي أنشئت خصيصاً من أجل كأس العالم. وخرجت بعض الدول التي استضافت كأس العالم في الماضي مثل أمريكا اللاتينية مديونة بمليارات الدولارات وظلت عشرات السنين تسدد ديونها في الوقت الذي حولت بعض الدول المتقدمة مسابقة كأس العالم إلى مشروع اقتصادي يدعم نمو اقتصادها ويزيد من إيراداتها. والأمثلة كثيرة منها روسيا التي تستضيف هذه الأيام مسابقة كأس العالم والتي يتوقع المخططون الروس أن يكون دخل روسيا من هذه المسابقة حوالى (1.6) ترليون روبل، أكثر من حجم الإنفاق عليها بحوالى (2.5) مرة بالإضافة إلى أن روسيا استفادت من تطوير البنية التحتية وبناء فنادق ومجمعات سكنية وتطوير الملاعب والخدمات المساندة والتي سيستفيد منها الشعب الروسي والسياحة الروسية مستقبلاً. ولاستقطاب أكبر مشاركة عالمية لمسابقة كأس العالم قامت روسيا بالإعلان عن فتح باب الدخول لروسيا بدون تأشيرة والاكتفاء بمنحهم هوية مشجع من المطار، تسمح لهم بالإقامة طيلة فترة المونديال. واستغلت روسيا المونديال لتنشيط السياحة إذ خططت للمدن الإحدى عشرة التي ستستضيف المباريات برامج سياحية للمشجعينٍ بالتعاون مع شركات السياحة وحذرت اللجنة المنظمة أصحاب الفنادق من زيادة الأسعار والمبالغة في الفواتير. وعلى الجانب الرياضي طورت روسيا 12 ملعبا استعداداً للبطولة موزعة على 11 مدينة أكبرها إستاد (لوجنيكي) في العاصمة موسكو ويسع 80 ألف مشجع والذي استضاف المباراة الافتتاحية وسيستضيف المباراة النهائية. ويعتبر الأثر الاقتصادي الإيجابي أكبر نجاح للمنظمين الروس لهذا المونديال حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسي بنحو (3) مليارات دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس القادمة، وكما أشارت اللجنة المنظمة إلى أن المونديال سيساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بحوالى (2.43) مليار دولار إلى (3.4) مليار دولار سنوياً. بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية الأخرى ومنها نمو في خلق الوظائف وزيادة في الطلب على المنتجات، وحسب إفادة البنك المركزي الروسي فإن المونديال سيعطي دفعة للاقتصاد الروسي ولاسيما أن الاقتصاد الروسي يعاني من أزمة اقتصادية نتيجة الحظر الأوروبي عليه إلا أنه استطاع أن ينجز هذا المونديال بأكبر ميزانية وبأعلى دخل بعد تغطية النفقات مرتين ونصف. وفي وجهة نظري إذا لم تنجح روسيا في تحقيق كأس العالم فيكفيها نجاحها في إدارة مسابقة كأس العالم بفكر اقتصادي حقق لها إيرادا يقدر بحوالى ثلاثة بلايين دولار مع نمو في الناتج المحلي (3.4) مليار دولار سنوياً للسنوات الخمس القادمة. وبهذا النجاح الاقتصادي ستعلمنا روسيا كيف تحول الإنفاق على مسابقات كأس العالم إلى دخل للدولة المنظمة.

* كاتب اقتصادي سعودي