-A +A
طارق فدعق
إليكم باختصار شديد أحد أغرب الأخبار في عالم الطيران التجاري خلال هذا الأسبوع: الدبة ذهبت إلى التشليح. والمقصود بمصطلح «الدبة» هنا هو طائرة الإيرباص 380 لأنها تمثل أقصى حجم لطائرات الركاب التجارية. وأما التفاصيل فهي كالتالي: تم «طي قيد» طائرتين من هذا الطراز وإحالتهما إلى التقاعد المبكر في إحدى ساحات التشليح. وكانتا ضمن أسطول شركة الخطوط السنغافورية وقد استأجرتهما قبل حوالى عشر سنوات من شركة ألمانية. وعند انتهاء الفترة، لم تستطع الشركة المؤجرة أن تصرفهما لأي جهة... ولذا فكان قرار «التركين». والمقصود بالتشليح هو المكان التي تنساق إليه الطائرات للتقاعد عند وصولها لمرحلة نهاية عمرها الافتراضي. وليس بالضرورة أن يكون ذلك العمر فنيا، فالعديد من الطائرات تحال للتقاعد عندما تصل لنهاية عمرها الاقتصادي، علما بأن عمر الطائرات يقاس بالعديد من المعايير ومنها العمر الزمني، وساعات الطيران، وعدد عمليات الإقلاع والهبوط ويسمى «الدورات». ولكن هذه المعايير الفنية لا تبرر إحالة الطائرتين العملاقتين لأن كل منهما لا تزال تعتبر «عروسة» جديدة لا مؤاخذة، بل ويمثل هذا الطراز بعضا من أحدث تقنيات الطيران. ولا تستغرب إن كان «حُق الفيمتو» في يدك خلال سنة من الآن مصدره جناح الإيرباص 380....خسارة. عندما صممت مجموعة الإيرباص الأوربية هذه الطائرة، كان الهدف هو كسر احتكار شركة «بوينج» الأمريكية على سوق الطائرات الضخمة جدا بطائرتها الجامبو 747 التي تفوقت في كسب حصة الأسد في تلك الشريحة من سوق الطيران التجاري منذ عام 1970. ولكن بنهاية القرن الماضي، بدأت بوينج بتغيير إستراتيجيتها. وتحديدا، فقد رأت أن الطلب المستقبلي لن يكون قويا للطائرات العملاقة، ولكنه سيكون قويا جدا للطائرات الكبيرة، والمتوسطة، و«الصغيرة» نسبيا. ولذا، فكانت استثماراتها الرئيسة موجهة نحو تطوير طائرات جديدة أو مجددة لتلك الشرائح. وأما مجموعة الإيرباص، فكانت مقتنعة بأن سوق الطيران التجاري سيستوعب طائرات عملاقة بأعداد كبيرة للخدمة بين مطارات المدن الكبرى. وفي رؤيتها إلى عام 2036 أكدت أن هناك حاجة لحوالى ألف وأربع مائة طائرة عملاقة، بالرغم أن سعرها الحالي يفوق المليار وستمائة مليون ريال للطائرة الواحدة... بدون ضريبة القيمة المضافة، واللوحات والاستمارة.

والطائرة الأيرباص 380 «الدبة» رهيبة في حجمها: طولها يعادل تقريبا عرض المقاس الدولي لملعب كرة القدم، ومساحة جناحيها تفوق مساحة صالة الانتظار في مبنى الجوازات في جدة، وأما وزنها عند الإقلاع فممكن أن يصل إلى ما يعادل حوالى أربع مائة «وانيت داتسون» بغمارة واحدة. وتستطيع أن تحمل 868 راكبا، ولكن معظم الشركات المشغلة لها تختار سعة مقاعد أقل من ذلك وتتراوح بين 407 (للشركة الكورية) إلى 615 (لطيران الإمارات الشقيقة). ومن روائع تصميم الطائرة أن في حالات الطوارئ لا سمح الله، يمكن إخلاء أقصى عدد ركابها خلال فترة تسعين ثانية فقط من نصف مخارج الطائرة في الظلام. وبالرغم من حجمها الهائل، وكونها من أكبر الطائرات في التاريخ، فهي أسرع طائرة تجارية في العالم اليوم فتستطيع التحليق بسرعة تصل إلى حوالى 88 في المائة من سرعة الصوت. وأن تقطع مسافات تصل إلى حوالى ثلث قطر الكرة الأرضية... يعني جدة إلى لوس أنجلوس مثلا. وقد باعت الإيرباص 321 طائرة من هذا الطراز، وكانت حصة الأسد لطيران الإمارات التي تمتلك أكثر من 50% من الأسطول العالمي منها. وفي الواقع فكانت الإماراتية الشقيقة هي الداعم الأول والرئيس لهذه الطائرة منذ بداية تصنيعها إلى اليوم.


أمنيــــــــــة

بعض الشركات اشترت هذه الطائرة ضمن إستراتيجية طموحة لتحريك أعداد هائلة من الركاب وتنشيط الطلب الكامن للنقل الجوي، وصناعة النقل الجوي بأكملها لمطارات مثل دبي، وفرانكفورت، وهيثرو. وبعض الشركات مثل طيران القطرية اشترتها للوجاهة «يعني... يعني... خشوني ولا تنسوني». وجميع الشركات الأمريكية قاطعتها تماماً، فلا توجد «دبة» تخدم في أي شركة طيران أمريكية. أتمنى أن نرى هذه الطائرة في خدمة نقل الحجيج لأنها صممت لتحريك أعداد هائلة من البشر بسرعة وفعالية في أمان الله.

وهو من وراء القصد.