-A +A
محمد أحمد الحساني
في الحياة الإدارية لاسيما بالنسبة للمواقع الوظيفية المرموقة، يلاحظ المجتمع الإداري أن معظم من يتولون تلك الوظائف لا يعطون فرصة ظهور أحد من الصف الثاني يكون بديلاً لهم في قيادة الإدارة في حالة انتهاء فترة عملهم لأي سبب كان، وهم يرون أن دعم الصف الثاني سيكون على حساب مدة بقائهم في المنصب الذي شعروا بفوائده المادية والمعنوية فقد أصبحوا بسببه ممن يشار إليهم بالبنان ويجري ذكرهم على كل لسان وتطاردهم أضواء الصحف والمجتمع ويطلب الجميع ودهم ويسمعونهم أحلى كلمات الثناء، ولذلك فإنهم يكبتون أي صوت موهوب من أصوات الصف الثاني ويجعلون صاحبه بعيداً عن الأضواء ولا يسمحون له بالبروز حتى لو عبر تصريح ثانوي أو في مناسبة هامشية، ولو رأى صورة أو خبراً صحفياً لموظف من الصف الثاني منشوراً في صحيفة فإنه يستشيط غضباً ويستدعيه في صباح اليوم التالي ويسمعه كلاماً مراً ويفهمه أنه قد تعدى حدوده وأن طموحاته سوف تضر به وإنه إن عاد لمثله فسوف يجد نفسه في غرفة مظلمة بالمستودع، فلا يجد ذلك الموظف الطموح بداً من أن يكبت طموحه ويعتذر بحرارة لرئيسه، مؤكداً له أنها «غلطة ومش حتعود»، هذا إن لم ينكر أنه قد صرح لأحد أو طلب من أحد نشر خبر عنه وأن ما نشر ما هو إلا لقافة صحفية لا أكثر ولا أقل، لعله بذلك النفي يأمن غضب رئيسه ومكره في القادم من الأيام!

هذا النوع من الإداريين يظلون يقزمون من حولهم من موظفين ومساعدين خلال وجودهم في الإدارة فإذا انتهت مدتهم فيها فإن الاختيار للبديل يكون في أغلب الأحيان من خارج الإدارة فإذا تساءل المجتمع الإداري عن سبب عدم تعيين أحد أكفأ موظفي الإدارة في المنصب الشاغر فإن الجواب يكون بأنه لا يوجد موظف بارز يملأ عين المرجع المسؤول عن قرار تعيين البديل لأن الإداري الذي انتهت مدته لم يعط فرصة لظهور وبروز صف ثانٍ يمكن أن يكون منهم من يتولى الأمر من بعده فقد ناء عليهم بكلكله خلال سنوات تقلده للمنصب حتى فقد بعضهم القدرة على الكلام وأصبح يتأتئ إذا تكلم في مناسبة بسيطة، فإذا جاءت لحظة الحقيقة اقترب موعد إنهاء خدمات ذلك الإداري لم يجد مرجعه بداً من تمديد الخدمة له أو البحث عن بديل من خارج الإدارة لأنه لم يعط أحداً من زملائه أدنى فرصة للظهور وقد يكتفون «بالحسبلة» عليه ممنين النفس أن يكون من جاء بعده أقل أنانية وحباً لنفسه فيمنحهم فرصة للنمو وضوءا يخرجهم من العتمة، وقد يحصل لهم ما تمنوه أو يكون الجديد أسوأ من سابقه فيردد الواحد منهم قول الشاعر:


دعوت على عَمْرو فمات فَسرّني..

بليت بأقوام بكيت على عَمْرو