-A +A
بشرى فيصل السباعي
تصور أن يقوم مدير جامعة بإعلان تجاري عن حفاضات للأطفال، وأن تقوم أستاذة جامعية بإعلان عن نوع من العلكة، تصور أن يقوم رئيس دولة بإعلان عن محل ملابس نسائية، تصور أن تقوم عضوة بمجلس الشورى بإعلان عن قدور للطبخ، تصور أن يقوم مفكر بإعلان عن أحذية، بالطبع لن يستسيغ المجتمع هذا وستحدث ردة فعل عامة مستنكرة لقيام أصحاب تلك الوظائف الاعتبارية بإعلانات تجارية والتي لا يتقبلها الجمهور إلا من العاملين بمجال الترفيه سواء أكانوا ممثلين أو رياضيين، ولا يقبلونها من أي شخص له مكانة ووظيفة اعتبارية وبشكل مضاعف إن كانت دينية حيث يفترض أن يمثل أصحابها مبدأ التسامي عن نزعة الطمع المالي الزائد، وبخاصة أنهم بالأصل لديهم وظائف رسمية ومشاركات وبرامج يحصلون منها على ثروة، بل إن حتى آخر زعيم للاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي يفترض أنه لا ديني لما ظهر بعد تقاعده بإعلانات تجارية لماركات طعام وحقائب ورغم أنه بررها بأنها لتمويل مؤسسته البحثية لكنه بسبب تقديمه لها سقط من عين العالم وما عاد له احترام كشخصية اعتبارية، مع العلم أنه لو لم يقم بتلك الإعلانات لكان أمكنه تحصيل أضعاف دخلها من المحاضرات التي كان سيدعى لها لو حافظ على احترام مكانته ولم يستغلها بإعلانات استهلاكية، وفي بداية رمضان الجاري عندما عرضت شركة دواجن دعاية تلفزيونية ظهر فيها داعية شهير اضطرت الشركة لسحب الإعلان من القنوات والمواقع بعد ساعات فقط من عرضه رغم تكلفته بسبب ردة الفعل البالغة السلبية للجمهور بكل العالم العربي على هذا الإعلان، والذي لم يستسغ استغلال الداعية لشهرته الدينية في دعاية تجارية، وواجه بسبب الإعلان مصير جورباتشوف، وشيء مماثل حصل لنفر من الدعاة السعوديين الذين تعودوا على توظيف حساباتهم بمواقع التواصل لإعلانات تجارية، بالإضافة لظهور بعضهم في دعاية تلفزيونية لخدمة اتصالات، ويمكن رصد ردة فعل الرأي العام بمطالعة التعليقات أسفل كل دعاية في حسابات الدعاة؛ فكلها تعليقات معاتبة وساخرة ومستنكرة استغلالهم لشهرتهم الدينية وتصرح بأنهم ما عادوا يعتبرون هؤلاء الدعاة أهلا لأخذ المواعظ الدينية منهم، فتوظيف أصحاب المكانة الاعتبارية بإعلانات تجارية يولد ردة فعل سلبية مضادة ومعاكسة للأثر الذي يرغب به أصحاب الإعلان؛ ففي علم النفس هناك مبدأ يسمى بـ«الارتباط الشرطي»، والذي يقول إنه إن تولدت ردة فعل سلبية تجاه مؤثر ما كالإعلان فسيصبح لدى المتلقي شعور سلبي متنفر تجاه المنتج بغض النظر عن ماهية المنتج.

* كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com