-A +A
مها الشهري
حين تبنى هوية الفرد وانتماؤه على أسس متينة كحب الوطن والعمل لأجله والتطلع لمستقبله، على نحو من الإخلاص والتفاني، بصرف النظر عن المصالح والمكاسب، وبصرف النظر عن الخسائر والهزائم، يبقى الوطن هو الملاذ الأول والأخير لهوياتنا وانتماءاتنا، وهو الخيار الذي في سعته أن يجد فيه الجميع نقطة للتشارك يتحدون من أجلها لتجمع ما بين مصالحهم ولتبدد الخلافات الفكرية بينهم أيا كانت حدتها.

بالرغم من أن الحزبية تعتبر مصدرا لثراء بعض المجتمعات وتعدد أفكارها وأطيافها، إلا أن هذه الحزبية لا تؤخذ على نحو يقبل الغير ويحترم اتجاهه، إنما هي تبنى على إقصاء الآخر الذي إن كان وطنيا، فلن تضع للوطنية معيارا ضمن اعتباراتها من أجل ضدية المقاصد والأهداف وبصورة تعصبية تفسد العمل المشترك لبناء الهوية الوطنية، إذ إن بعض الأحزاب تبني قوة نفسها على تهميش كل ما هو أولى في سبيل بروزها وتحقيق أهدافها الخاصة التي لا ترتبط بمصلحة الغير لتضع نفسها في المقدمة.


إن الحب والانتماء للوطن أمر منفرد في ذاته لا يرتبط بأي شيء، فالوقوف لرمزية السلام الوطني لا يستدعي أن يوضع ضمن مشاعر مرتبطة بتنازل الإنسان عن شيء حينما يقف، أو تعاليه على شيء حينما لا يقف، فلا شأن للتعالي أو التنازل في موقف مثل هذا، وإنما يقف الإنسان القائم على ذاته والذي يفهمها جيدا، يقف كمواطن عظيم ليعبر بوقوفه عن مبدأ الاعتزاز والحب والفخر بوطنه، فليس من الحق أن يبخل أي منا بمثل هذا التعبير تجاه وطنه من أجل اعتبارات يتصارع معها وحده ولن يجني منها شيئا، وبالتالي فإن التكامل الاجتماعي يساعد في خلق مناخ يلتئم فيه الحس الوطني ليكون كل منا مبادرا، حتى ولو اقتصر الأمر على موقف بسيط غير مكلف مثل هذا.