-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
لا يمكن للمرء مهما بلغت عبقريته ولا حدة ذكائه، كما لا يمكن لأدق أجهزة الحاسوب، أن تحصي نعم الله تعالى على الإنسان، وصدق الله تعالى في قوله: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»، والمتأمل في الآية الكريمة يجد الحق تبارك وتعالى ينفي استطاعة البشر عن إحصاء «نعمة» واحدة، إذ لم يقل جل شأنه «نعم الله»، وإنما نعمة واحدة، لا يمكن لنا أن نحصر ما نناله من خيراتها.

وقد يعتقد الكثيرون منا أن نعم الله تعالى إنما تتجسد في المال والثروة والجاه والسلطات والدرجات العلى في السلك الوظيفي. نعم هذه بعض النعم التي استحوذت على اهتمام البشر، فباتوا يدعون ربهم في كل وقت وحين أن يرزقهم إياها، ونسوا، أو تناسوا، نعما عديدة، أهم مما يدعون ربهم راجين الظفر بها. نعم، نسينا نعما أهم لنا مما سبق، وذلك لأننا اعتدناها، وألفناها، فلم نعد نشعر بقيمتها التي تفوق كل الجاه والثروات، بل إن المرء منا على استعداد للتنازل عن كل ما يملك من ثروات مقابل استمرارية هذه النعمة المنسية.


أضرب مثالا هنا لنعمة «التنفس». نعم نعمة التنفس التي تغفل عنها، وقد حبانا الله تعالى بها، وقل – إن لم يكن ندر – من يشكر ربه على هذه النعمة العظمى، يستخلص الإنسان في شهيقه «الأكسجين» من الهواء، ولا حياة للمرء بدون هذا العنصر الفعال، ويطرد «ثاني أكسيد الكربون» الضار، في عملية روتينية لا نوليها اهتماما. وقد يدرك البعض أهمية هذه النعمة حين يصاب – عافانا الله وإياكم – بالتهاب في الرئتين، أو حساسية، أو بمرض من أمراض الصدر، فيصعب عليه التنفس، وقد ينقل إلى المستشفى، ويزود بالأكسجين من خلال الأجهزة. وكثيرون منا يدركون أهمية هذه النعمة عندما تشتد العواصف الرملية والترابية، ويسارع الأهل بنقله إلى المستشفى لإنقاذ حياته، عن طريق توفير «تنفس اصطناعي» له، وكم من حالات وفاة نسمع عنها حينما تهب العواصف والرياح.

هذه نعمة واحدة، لو زالت عن أحدنا لانتهت حياته، ومع ذلك، من منا يشكر الله تعالى عليها؟!

نحن لا نشكر الخالق عليها لا لجحود – حاشا لله – وإنما لأننا ألفنا هذه النعمة، واعتدنا عليها، بحيث غابت عن أذهاننا وقلوبنا أهميتها، بينما ظهرت في بؤرة اهتمام الفرد نعم أخرى، يمكن للمرء أن يتنازل عنها أو عن بعضها، دون أن يفقد حياته التي هي أعظم النعم.

فلينظر كل منا إلى نفسه وذاته، إلى جسده، إلى تكوينه، إلى كل ما يحيط به، وسيجد كيف قصرنا في شكر الله تعالى على نعم لولاها ما حيينا، وما ذلك إلا للإلف، والاعتياد على هذه النعم.

حقا، آفة النعم الإلف، فاللهم أوزعنا أن نشكر نعمك الظاهرة والباطنة علينا، والحمدلله رب العالمين.