-A +A
محمد الساعد
عند النظر إلى صورة الشرق الأوسط وما يجتاحه من تحولات وتقلبات سياسية مستمرة يجب أن لا نرى المشاهد مفصلة أو معزولة عن بعضها البعض، فالصورة معقدة جدا ومتشابكة لدرجة أن محاولة فك خيوط اللعبة قد تسفر عن انفجارات غير محسوبة العواقب.

فمشهد انتقال الرئيس الفرنسي من الاحتفاء بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل أسابيع في باريس لدرجة كسر البروتوكول وأخذه في جولة في متحف اللوفر وتحوله لمرشد سياحي، أعقبه قبل أيام تصريحات غير موفقة لماكرون عن العلاقة السعودية بالسيد سعد الحريري، جزء من الصورة وليس كامل الصورة.


فما الذي دفع ماكرون لمحاولة تعكير العلاقة مع الرياض، وهل جاءت تصريحاته هكذا مجرد هفوة لسان؟

بالتأكيد لا..

فالتصريحات مرتبطة ارتباطا كاملا بموقف السعودية الصلب من الاتفاق النووي الإيراني الذي هندسته فرنسا وألمانيا ووقعته أمريكا أوباما، ومحاولات ماكرون نيابة عن ألمانيا تفكيك الموقف الدولي المتصاعد من طهران.

ماكرون حاول جاهدا إقناع الرياض بالتخلي عن أمنها ومصالحها العربية بدعم الاتفاق أو على الأقل عدم الوقوف بصرامة أمامه، لأنه يجزم أن الرياض هي مفتاح الحل.

في ظني أن ماكرون أخطأ الطريق فلو بذل جزءا من وقته لإقناع «هتلر» الإيراني بالتوقف عن تمويل وصناعة الإرهاب ومنع صواريخ إيران من الوصول للمدن السعودية وإعادة ميليشيات إيران المنتشرة في سورية ولبنان والعراق واليمن لكان الأمر أكثر إقناعا للرياض لكنه يطلب من المتضرر قبول مزيد من الأضرار.

انفتاح «البقرة» الإيرانية أمام الشركات الفرنسية والألمانية حقق للاقتصادين المثقلين بالديون موارد هائلة ليسا في وارد التخلي عنها، فخلال السنوات الخمس الماضية استطاعت توتال الفرنسية الحصول على حقوق الامتياز والإنتاج في حقول النفط والغاز الإيرانية، ونحن نتحدث هنا عن سيطرة أوروبا العجوز على عصب اقتصادها الذي كان يأتي عن طريق الروس.

الألمان والفرنسيون يشعرون بخطر داهم ومستمر من موسكو، ويعتقدون أن السياسة الروسية المتسلطة يغذيها شعور القيادة في الكرملين قدرتها على التأثير في عمق أوروبا بسبب تحكمها في الغاز الواصل لشرايين الاقتصاد.

هذا صحيح، ومحاولات استبداله أو الانفلات منه حق «ألماني فرنسي» لا أحد ينازعهما فيه، لكن أن يأتي هذا على حساب السعودية فهو أمر جربته ألمانيا وفشلت، وعلى فرنسا أن تستوعب الدرس جيدا.

أضف إلى ذلك سعي ماكرون لإعادة إنتاج اقتصاد فرنسي قوي وحيوي، والعمل على تعظيم المحركات الكبرى لديه، وبالتأكيد أن شركة توتال الفرنسية هي واحدة من هذه المحركات الضخمة.

الموقف الألماني من الرياض تحديدا ارتبط كليا بمصالح الغاز ورفض الرياض أن تكون السعودية معبرا لخط الغاز القطري الذي أريد له أن يكون بديلا للغاز الروسي، وأن يمتد إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، فالرياض لديها طموحات اقتصادية كبيرة في التحول إلى إنتاج الغاز، وبالتالي تطمح أن تكون المزود الأهم في العالم لهذه السلعة الضرورية.

الرياض التي وقفت في وجه واشنطن في عهد الرئيس أوباما، وقال الملك سلمان آنذاك وفي البيت الأبيض وأمام وسائل الإعلام إن المملكة ليست في حاجة لأحد، ولا تريد من أحد الدفاع عن مصالحها، وهي مستعدة للوصول إلى آخر الطريق للحفاظ على شعبها ومقدراتها ومصالحها مهما كانت الكلفة.

بينما الأوروبيون يريدون السيطرة على حقول الغاز في قطر وإيران بسبب الموقف السياسي الإيراني الذي يرغب في الخروج من العزلة الدولية، أما قطر فهي آخر الهموم، ولا تعدو أن تكون مستعمرة أوروبية بسبب الانهيار الأخلاقي والسياسي في الدوحة، الذي استُلب تماما، ولم تعد لديها أية كرامة سياسية تستطيع من خلالها مقاومة أي نفوذ.

ما يحصل في الغرب هو صعود بعض رؤساء دول أو حكومات من خارج السلك السياسي والتدرج الحزبي، ولذلك هم عديمو الخبرة، وأبرز مثال على ذلك الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي لم تتعد خبرته فصول جامعة ميشجغن الأمريكية.

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com