-A +A
هيلة المشوح
رغم طبيعة مجتمعنا المحافظ ورغم أن الصحوة جاءت وفي ثناياها هدف من ضمن حزمة أهداف وهو إقصاء المرأة وتغييبها عن المشهد العام، إلا أنها كانت أداة فاعلة في نشر هذا الفكر بين أطياف المجتمع بحكم اختراقها المباشر للمجتمع دون عوائق، فكانت أكثر تأثيراً وأسرع اختراقاً ونقل أي فكرة بكل سهولة، ناهيكم عن فكر يدغدغ العاطفة الدينية ليغلفها ببعض التقاليد فتلاقي القبول والتصفيق، فانخرطت المرأة وعلى مدى عقود في الدعوة والتأثير والترويج لفكر الصحوة وكان يجوز لها ما لا يجوز لغيرها؛ ففي الوقت الذي كان صوت المرأة منكرا -حتى وقت قريب- كانت أصوات الداعيات تلعلع بالدعوة والمحاضرات والتسجيلات.

لم يكن من الصعب مطلقاً على المرأة وهي تحمل ذلك الفكر المتشدد أن تنفك من كل قيد كان يقيد الأخريات فتنخرط في مجال الدعوة الذي يتطلب بشكل أو بآخر دعم الرجل في المجال نفسه، فهي حالة خاصة لا يجب أن تقارن بغيرها أو يُقارن غيرها بها، وبالتالي فقد نجح هذا الفكر في التغلغل بين أوساط النساء بشكل أكبر وأوسع منه بين الرجال، وربما يستغرب البعض حين أقول إن الصحوة انتشرت بين النساء قبل أن تتمدد في كامل المجتمع، وهذا يعني أن المرأة كانت نواة انطلق منها هذا الفكر بسلاسة، ففي أواخر الثمانينات وبداية التسعينات الميلادية كان السواد الأعظم من النساء يعتنقن الصحوة، ومن شذ عن القاعدة فهو إما يقاوم منبوذاً أو يتظاهر ويتقمص هذا الفكر راجياً السلامة، فالمقاومة كانت ضرباً من التهور أمام شراسة وضراوة هذا الفكر.


الصحوة دوغمائية إقصائية تتمحور حول أفكار جزمية غير قابلة للنقاش أو الاختيار، ولم تكن المرأة بالقوة والوعي اللذين يؤهلانها لقبول هذه الأفكار أو رفضها كما هو الحال الآن، ناهيكم عن مجتمع بأكمله لفته دوامة الصحوة برجاله ونسائه وشبابه وأطفاله، وما نراه اليوم من تبدد هذا الفكر وتكشف الهزل الذي يحمله هو الطريق لحياة جديدة أتمنى ألا يشوبها أي أيديولوجيات أخرى، والمقاومة التي نشهدها اليوم من بعض أتباع هذا الفكر هي مجرد حلاوة الروح لفكر يحتضر.. ووعي يتكون ونساء يصنعن التغيير!.