-A +A
شاهين عبداللاييف
يخلد الشعب الأذربيجاني في ذاكرته في الثامن والعشرين من مايو من كل عام ذكرى يوم الاستقلال، في هذا العام يكون قد مر مئة عام على إعلان جمهورية أذربيجان الديمقراطية وتأسيس أول جمهورية برلمانية حديثة في العالم الإسلامي.

ولكن لم تستمر هذه الجمهورية المستقلة سوى 23 شهرا فقط، فعلى الرغم من مواكبة تلك الفترة لأشد فترات التاريخ اضطرابا في القرن العشرين، حيث سادت فيها العديد من المشكلات والصراعات العرقية، وما أطلقه الأرمن من مزاعم ضم الأراضي الأذربيجانية، والانقلابات الشيوعية والحروب الأهلية في روسيا، وعواقب الحرب العالمية الأولى، إلا أن الحكومات الائتلافية قد حققت نجاحات على صعيد بناء الدولة والتعليم وإنشاء جيش، وكذلك الاستقلال المالي والاقتصادي وتحقيق الاعتراف الدولي بالجمهورية.


في 28 مايو عام 1918 أُعلن جمهورية أذربيجان الديمقراطية، وبذلك تم تأسيس أول برلمان لأذربيجان ووضع أساس الجمهورية البرلمانية، وتم نقل العاصمة إلى باكو في 17 سبتمبر 1918، وقد بدأ الطريق الديمقراطي في التطور بعد اجتماع مجلس أذربيجان الوطني في 19 نوفمبر 1918، حيث تم الإقرار بأن البرلمان يجب أن يتكون من ممثلي جميع الشعوب المقيمين في حدود الدولة، وقد كان هدف البرلمان حفظ استقلال أذربيجان وسلامتها الإقليمية وحقوقها الوطنية والسياسية وإنشاء العلاقات بين حكومة أذربيجان والحكومات المتجاورة، وإنشاء نظام الدولة الحقوقي، وتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية الواسعة، وإنشاء جيش قوي قادر على الدفاع عن الوطن.

على الرغم من الصعوبات التي واجهت جمهورية أذربيجان الديمقراطية، إلا أن ما حققته من إنجازات جعلها لم تتخلف عن ركب الديمقراطية في أوروبا، فقد حصلت المرأة على حق الاقتراع وهي بهذه الخطوة قد سبقت حتى الدول الأكثر تقدما في العالم في ذلك العهد، كما تبنت حكومة أذربيجان الديمقراطية أول قرار لها باتخاذ علم ذي ثلاثة ألوان - الأزرق والأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة الثمانية الأطراف، والذي يرمز إلى مبادئ الحداثة والديمقراطية والهوية الوطنية والإسلام باعتباره علما لجمهورية أذربيجان المستقلة.

واهتمت الحكومة في تلك الفترة بتعليم الشعب وتطور العلم والصحة في جميع أماكن الدولة، وبنيت المدارس لمختلف المستويات وانشأت المعاهد لتأهيل المدرسين، وأقامت المكتبات، وتم تأسيس جامعة باكو الحكومية في 1 سبتمبر 1919، وتم ابتعاث 100 شاب أذربيجاني إلى الخارج للدراسة في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وتركيا على الرغم من سقوط الجمهورية الديمقراطية، إلا أن جامعة باكو قد ظلت تلعب دورا كبيرا في إحياء أفكار إنشاء الجمهورية لدى الشعب والحصول على الاستقلال من جديد.

فتعتبر أذربيجان في طليعة الجمهوريات السوفيتية التي أعادت استقلالها في عام 1991.

ومن الجدير بالذكر، أنه بعد وصول حيدر علييف لدفة الحكم، أوقفت احتلال أرمينيا لمزيد من أراضي أذربيجان، وأُجبر الجانب الأرميني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وجرت تحولات جذرية على السياسة الخارجية لأذربيجان. وحددت أذربيجان مكانتها في منظومة العلاقات الدولية، وبدأت الاعتماد على الإستراتيجية الجديدة في مجال السياسة الخارجية، واستطاعت خلال فترة وجيزة بناء نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية، وخطت خطوات واسعة نحو تطبيق مبادئ اقتصاد السوق الحر على نظامها الاقتصادي، كما أنه في عام 1995 تم إقرار دستور جمهورية أذربيجان عن طريق إجراء استفتاء عام، وأجريت في البلاد انتخابات برلمانية ديمقراطية.

وتشهد أذربيجان حاليا نهضة اقتصادية حضارية على مختلف المستويات، وتتطلع إلى مستقبل زاهر لاستكمال بنائها ونهضتها الحديثة، وتبذل قيادتها ممثلة في فخامة الرئيس الهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان جهودا كبيرة في هذا الإطار، وتعتبر أذربيجان من الدول التي احتلت مكانة متقدمة في مجال تطوير الناتج المحلي الذي يتطور بوتيرة عالية وملموسة خلال السنوات الأخيرة.

وتوفرت خلال السنوات الأخيرة مليون و800 ألف فرصة العمل، كما أنه بناء على تقييم المؤسسات المالية الدولية فإن الاقتصاد الأذربيجاني من أفضل اقتصادات دول العالم، وذلك نتيجة لسياسة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الدولة، وانخفضت نسبة البطالة والفقر من 50 إلى 5%.

وتحولت جمهورية أذربيجان في الفترة الأخيرة إلى نقطة ربط بين الغرب والشرق والشمال والجنوب. وبعد إنشاء خط أنابيب باكو – تبليسي – جيهان للنفط، وباكو – تبيلسي – أرضروم للغاز الطبيعي، اللذين ينقلان النفط والغاز الأذربيجاني إلى الأسواق العالمية، افتتح في 30 من أكتوبر من العام المنصرم بمشاركة رؤساء أذربيجان وجورجيا وتركيا خط باكو – تبليسي – قارص للسكة الحديدية. ويعد المشروع حلقة أولى في ربط قارات العالم القديم آسيا وأوروبا ببعضها. ومع دخول خط باكو- تبليسي- قارص حيز الخدمة ستصل البضائع الصينية إلى أوروبا في غضون 15 يوما والعكس صحيح. وتبلغ القدرة الاستيعابية للمشروع نقل مليون مسافر وحمولة تبلغ وزنها 6.5 مليون طن في العام الواحد، على أنّ يتم رفع القدرة الاستيعابية لها إلى 3 ملايين مسافر، وحمولة بوزن 17 مليون طن مع حلول عام 2034. ولن يقتصر مردود هذا المشروع على الجانب الاقتصادي فحسب بل سيجلب الاستقرار والسلام على الصعيد السياسي، والرفاهية لشعوب المنطقة. كما يتوقع في 12 يونيو الحالي افتتاح مشروع «تاناب» الذي سينقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا وسيسهم في أمن الطاقة في القارة الأوروبية.

ونجحت أذربيجان في دخول النادي الفضائي خلال خمس سنوات الأخيرة، فأصبحت بعد إطلاق القمر الاصطناعي الأذربيجاني الأول «Azerspace-1» في فبراير 2013، البلد الحادي عشر في العالم الذي يملك قمراً اصطناعياً في الفضاء، ومن المقرر أن يتم إطلاق القمر الاصطناعي الأذربيجاني الثالث إلى الفضاء خلال العام الحالي.

لقد تمكنت أذربيجان خلال الحقبة الماضية من تاريخ استقلالها من إقامة علاقات الصداقة والتعاون مع العديد من البلدان، وفي مقدمتها بلدان العالم الإسلامي، كما نجحت في إقامة علاقات جيدة مع دول العالم.

وقد كانت جمهورية أذربيجان دوما بعيدة عن الصراعات القومية والدينية، فهي مكان للتسامح الديني والقومي الذي يدعو إلى حوار بين الأديان والحضارات بعيدا عن التعصب الديني.

ولا شك أن قضية قااراباغ الجبلية (ناغورني كاراباخ بالروسية) هي قضية أساسية لأذربيجان.

إن الحرب على أذربيجان من قبل أرمينيا أدت إلى احتلال 20% من أراضينا، وتشريد أكثر من مليون مواطن، ولايزال هذا الاحتلال مستمرا. كما تستمر محادثات في إطار مجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا للتسوية السلمية هذه القضية منذ أكثر من 24 عاما دون توصل إلى أي نتيجة ملموسة حتى الآن، وذلك بسبب موقف أرمينيا غير البناء وتجاهلها نداءات المجتمع الدولي وعدم استجابتها لتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التي تطالب بانسحاب القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة. وتسعى أرمينيا إلى استمرار وضع الاحتلال ومماطلة المفاوضات، وتلجأ إلى زيادة حدة التوتر في خط التماس بانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وتحرص أذربيجان على حل النزاع بالطرق السلمية ولكنها لا تستثني حلولا أخرى.

إن العلاقات السعودية الأذربيجانية في تطور مستمر، وهذا يبعث على الرضا والطمأنينة بين البلدين، ويعزز العمل المشترك لتطوير هذه العلاقة يوما بعد يوم، وهذا يثبت ما تتمتع به القيادة السعودية والشعب السعودي من مشاعر الإخوة الصادقة تجاه إخوانهم في أذربيجان، كما أنه قد تحقق تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين. وقام فخامة الهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان بزيارة المملكة العربية السعودية خلال عام 2005 و2015، وتم أثناء هذه الزيارات التوقيع على عدة اتفاقيات بين البلدين الشقيقين.

وتحتل المملكة العربية السعودية موقعا هاما بين دول العالم، وتلعب دورا بارزا بين المنظمات العالمية والدولية في دعم القضايا والنزاعات الإقليمية واتخاذ القرارات المعنية بشأنها. وإننا نشيد بالسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية التي تقوم على أساس الاعتراف بالحقوق ومبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة. ويجدر بنا الإشارة هنا إلى الموقف الأخوي للمملكة الذي يدين به العدوان الأرميني ضد جمهورية أذربيجان.

وإنني انتهز هذه الفرصة لأعبر نيابة عن حكومة وشعب جمهورية أذربيجان عن أعمق امتناننا وشكرنا لحكومة وشعب المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على التأييد الدائم لجمهورية أذربيجان في إطار منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، وباقي المنظمات الدولية.

* (سفير جمهورية أذربيجان لدى المملكة العربية السعودية)