-A +A
محمد مفتي
بدخول شهر رمضان المبارك 1439، تدخل تجربتي الإعلامية في الصحافة عامها الثامن، ولا أعلم على وجه الدقة كم مقالا قمت بكتابته عن الخمينيين -التعبير الأكثر دقة في رأيي الشخصي عن النظام الحاكم في طهران-. فإيران دولة تكاد لا تتوقف عن استفزاز كل من حولها، وهي دائماً البادئة بالعدوانية لميلها الغريزي لإثارة المشكلات والنزاعات. لا أنكر أنني سعدت كثيراً بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقها مع إيران الذي تم عقده منذ حوالى ثلاث سنوات تحت إدارة الرئيس السابق أوباما، كما أنني أعجبت بالشروط الإثني عشر التي فرضتها الولايات المتحدة لإعادة تطبيع العلاقات مع إيران، لأن هذه الشروط ببساطة أقل ما ستفعله هو أنها ستهدم المعبد على رؤوس النظام الإيراني في طهران، وستقوم بتقليص سلطاته العدوانية في المنطقة، فالفكر الخميني بدون هذه الشروط يساوي صفراً.

لا مفر من الاعتراف بأن تلك الشروط الإثنى عشر تضع النظام في طهران في موقف معقد بالفعل، ذلك لأنه سيعني -وبصورة أكثر إيلاماً- ازدياد الشعور بالتذمر والتبرم من غالبية الشعب الإيراني، الذي ستتفاقم بلا محالة ظروفه الاقتصادية أكثر وأكثر، وسينتج عنها دوامة لا نهائية من المشكلات الاجتماعية التي ستدفع بغالبية المواطنين لرفع راية العصيان ضد سياسات حكومتهم الفاشلة، وهو ما يعني في نهاية المطاف ازدياد حدة الحنق المكبوت والغضب العارم الخفي بين صفوف المواطنين، والذين لن يجدوا بداً من الانفجار عاجلاً أم آجلاً في وجه ذلك النظام الحاكم.


من منظور آخر لو تمعنا في الشروط المفروضة على النظام الإيراني من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي ترمب، لن نجد فيها تعنتاً ولا إملاء لشروط مجحفة أو فرض نوع من السيادة الخارجية كما يدعي الخمينيون، بل سنجد مجموعة من البنود التي تتطلب من إيران أن تكون دولة عادية مسالمة، وهي في حقيقة الأمر إطار تخطيطي لدولة طبيعية بما يعنيه هذا المصطلح في واقعنا الحديث، وهو لا يمثل تحجيماً ولا اجتثاثاً إلا للزوائد الإرهابية التي يوظفها النظام الحاكم في إيران لتحقيق وجوده وتنفيذ أطماعه.

من المؤكد أن النظام الحالي في إيران لن يمتثل لأي شرط من تلك الشروط الإثني عشر المفروضة عليه، لأن الأفعى لا يمكنها أن تتحول إلى حمامة سلام، والعكس صحيح أيضاً، والنظام الخميني يتنفس الفتن، ولا يستطيع أن يواصل حياته إلا من خلال الانخراط في صراعات ونزاعات مع الدول المجاورة له، وفي حقيقة الأمر لا تنبع مشاكلنا مع إيران بسبب رغبتها في تشييع المنطقة، فتشييع المنطقة هو أحد أهدافها، ولكنه ليس المشكلة الوحيدة ولا الأساسية معها، المشكلة الرئيسية في النظام الخميني هو غريزته الصماء متناهية القدم في حب السيطرة وامتلاك النفوذ، التي ورثها من حكامه المتغطرسين المتعجرفين منذ أيام الامبراطورية الفارسية العظيمة والمتفردة، والتي جذرت عند بعضهم الشعور بالعظمة والتعالي والزهو بنقاء الدم الفارسي، دماء قمبيز وكسرى أنوشروان وهرمز وغيرهم.

غير أن تلك الخيالات تصطدم دوماً وعلى نحو مؤلم بالواقع الصلب، تصطدم بحائط الصد الذي يحمي المنطقة من شر تلك التوسعات الشيطانية، فتقف إيران عاجزة عن التصدي على نحو مباشر للمملكة، التي تمثل قلب الجزيرة العربية وحصنها الحصين، بثقلها الديني والسياسي والاقتصادي الذي يحطم تلك الخيالات المريضة ويحولها لواقع عاجز، وها هي ذي إيران تراوح مكانها غير قادرة حتى على الانتقال من مربع الصفر إلى المربع الذي يليه، وكلما تقدمت بعض الشيء أجهزت عليه المملكة لتعيدها مرة أخرى كسيرة محاصرة.

لم تختلف نظرة ملوك السعودية لإيران عقب قيام ثورة الخميني وحتى يومنا هذا، وكذك لم تتغير سياسة حكام إيران على تنوعهم منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة الراهنة، فالسياسة الإيرانية ثابتة لا تتغير، لأنها منذ قيامها على يد الخميني وهى تنهج نهجاً واحداً يمثل دستورها غير المكتوب، وقوامه فرق تسد، لهذا فلا فائدة من التعاطف أو التفاوض مع هذا الحاكم أو ذاك الرئيس، سواء كان من الحمائم أو من الصقور، وذلك حتى يهب الشعب الإيراني ويستفيق من غفلته، ويختار نظاماً حاكماً ممثلاً لمصالحه، وإلا فإن إيران ستظل دولة منعزلة معاقبة اقتصادياً ومنبوذة ومرفوضة من المجتمع الدولي والإقليمي.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com