-A +A
علي بن محمد الرباعي
لم يقل أحد من علماء الشرع أن الدّين مهنة، أو حرفة، أو صنعة، لتغدو به أمّةٌ أربى من أمة، وجماعةٌ أزكى من جماعة، بل هو رسالة الخالق إلى البشر، ومنهج علاقة بين إله تفرّد بالواحدية وإنسان تعبده بالتوحيد، والعبادات جزء من الدّين، وهي إما تقوم على نصّ ديني له دلالاته الظاهرة والباطنة وله رمزيته مثل ما له تقريريته، وإما أنها قائمة على إرث تاريخي يتمثل في الفقه والعادات والأعراف.

لم يصنف التديّن في خانة الوظائف التي لها قرارات وتنظيمات ورئيس ومرؤوس وفروض ولاء وطاعة وإلا لوقع المسلم في كبيرة اتخاذ الوسطاء والشفعاء الذين يقربوننا إلى الله زلفى، فالتديّن فطري، كون الله نفخ في كل مخلوق من روحه، بل وكثير من علماء الشرع يرون أن العقل كفيل بإرشاد الإنسان إلى خالقه، والعاقل جدير بالتعامل مع الكون والاتصال بالسماء على هدي من نور عقله، إلا أن الوحي والرسل أقاموا البرهان لئلا يكون للناس على الله حجة.


العبادات بموجب القرآن والسنة لا تعني دوماً الالتزام بحرفيّة النص، والحديث والفتاوى في رمضان غالباً لا تخرج عن أكلتُ والمؤذن يؤذن، وشربت قبل ما ينتهي الأذان، وتكحلت، وضربت إبرة، وحللت دما، وبلعت الريق، وهذه الشكلانية في العلاقة مع الله من خلال عبادة جوهرها (السّريّة) فقدت من روحها الكثير، باختزالنا الصيام في المفطرات والمؤثرات، وإهمال الآثار الروحية، والتفاعلات السلوكية.

إلى اليوم لم يتحدث الوعاظ والخطباء عن الرمزية في الصوم، ومنها رمزية الوقت، فشهر رمضان شهر صيفي، مرتبط بالرمضاء، وهناك تفاوت بين الأعوام الميلادية والهجرية، وفارق يمتد لعشرة أيام تقريباً بين التاريخين، إضافة إلى أن الحق سبحانه قال «حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر»، وهذه رمزية تعني أن وقت الصوم ليس محسوساً بالدقائق والثواني كما يحاول أن يعتمد البعض وإنما هو استشعار للزمن المتعبد به لله داخل كل إنسان.

الصوم ليس خاصاً بالمسلمين، وكتب عليهم وعلى غيرهم، ويشاركنا ملايين في هذه العبادة من ملل وديانات وعقائد وكل له طريقته في الصوم، إلا أن غاية الصيام وثمرته لا تزال غائبة أو مغيّبة عن بعض المسلمين.