علاء بابكور
علاء بابكور
Print
Print
-A +A
علاء أحمد بابكور*
لطالما كانت الصورة النمطية للطبيب والطاقم الطبي في أغلب المجتمعات إيجابية، وشيوعها سهّل التعامل بينهم وبين المريض، لكن في السنوات الأخيرة تدهورت هذه الصورة بتسارع، حتى تسببت وللأسف في تزايد الشحن النفسي للمرضى وذويهم ونتج عنه الكثير من الحوادث المؤسفة كان آخرها هجوم مراجع في المدينة المنورة على أحد أفراد الطاقم الطبي بآلة حادة بطريقة أقرب للأفلام السينمائية! وقبلها بعام تقريباً إصابة طبيب وفي المدينة المنورة أيضاً بجرح غائر في كتفه، بعد أن هُوجم من قبل ذوي أحد المرضى بآلة حادة الذي كاد أن يفقد حياته لولا عناية الله به. وأزعم أن أهم الأسباب التي أدت لهذا التوتر وتدهور العلاقة أربعة:

أولها الإعلام غير المسؤول، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، الذي سعى إلى تشويه هذه الصورة وتعميمها بقصد أو بغير قصد، ففي الوقت الذي تهمل أو تهمش المنجزات التي تتحقق، يتم التركيز على السلبيات والأخطاء وذكرها بصيغة العمومية.


هذا الشحن ليس في صالح الطبيب ولا المريض ولا المجتمع، فالطاقم الطبي قد لا يكون في مأمن من مثل ردود الأفعال المتهورة، خصوصا من أحداث السن، وعدم توفر الحماية الأمنية الكافية التي يتضح يوماً بعد آخر أنها لا تعدو كونها صورية. وفي الطرف الآخر كثيراً ما يحصل أن نفقد مريضاً (خصوصا مرضى الأورام) بعد الزيارة الأولى بعد أن تفشل كل المحاولات لثنيه عن رأيه ليعود في وقت آخر وقد ساءت حالته وتدهورت بشكل كبير وأصبحت وللأسف غير قابلة للعلاج، وهذا مرجعه إلى فقد الثقة بينه وبين طبيبه، ولا أظن أن أحداً يستطيع لومه على هذا التصرف فكيف لمريض أن يستلقي تحت مشرط جرّاحه بطمأنينة أو ينتظم على علاج معقد لسنوات طويلة وهو لا يرى في طبيبه إلا كومة من الأخطاء والإهمال!

وثانيها هو جهل المراجعين بطبيعة التنظيم الإداري داخل المستشفيات، إذ جرت العادة بأن يعتقد المريض وذووه بأن الطبيب هو «الكل في الكل»، ويعتقد الكثير من المراجعين بأن أمر الطبيب نافذ على كل من تحته ومن حوله وكأنه رأس الهرم، وهذا لا يصح بوجود التنظيمات الإدارية الحديثة في المستشفيات وتوزيع الأدوار ومفهوم العمل الجماعي فلكل قسم رؤساؤه والطبيب أو غيره هو جزء من هذه المنظومة والعلاقة بينه وبين الكادر الطبي تكاملية لا سلطوية.

وثالثها هو الضغط الكبير على مستشفيات محدودة بكل محافظة. فبعض المرضى قد يضطر لقطع أكثر من ٥٠٠ كيلومتر لمراجعة مستشفى مرجعي في مدينة أخرى، فضلا عن كثير من حالات الطوارئ!

وقد يتذمر أحدهم بسبب بُعد المواعيد وهو لا يدرك أن للضغط في أعداد المرضى مقابل عدد الأطباء والممرضين، خصوصا بالمستشفيات المرجعية، دورا كبيرا في هذه المشكلة، خصوصا إذا ما علمنا أن عدد الأطباء في السعودية هو ٢٤ طبيباً لكل ١٠ آلاف نسمة وهو الرقم الذي بالكاد يتجاوز الحد الأدنى العالمي المطلوب، والوضع مشابه بالنسبة للتمريض حيث إن هناك ٤٧ ممرضا لكل ١٠ آلاف نسمة.

ورابع الأسباب عدم ثقة المرضى والمراجعين بجدوى نظام الشكاوى والتظلم في حال واجه أحدهم أي مشكلة وهذا ناتج لترسبات البيروقراطية المتبعة في حل المشكلات والشكاوى التي لا تقتصر على النظام الصحي فقط بل تتعداه لأغلب الدوائر الحكومية الأخرى، ولكن في الآونة الأخيرة لم يعد هذا عذراً مقبولاً بوجود الخط الساخن للشكاوى (٩٣٧) الذي يتم إغلاق الشكاوى وحلها خلال ساعات بنسب تصل إلى ١٠٠٪ في كثير من المناطق، ويحظى بمتابعة شديدة من الوزارة ومن وزير الصحة شخصياً.

وقد قالت العرب قديما:

إن المعلم والطبيب كــلاهما *** لا ينصحان إذا هما لم يكرمــا

فاصبر لدائك إن أهنت طبيبهُ *** واصبر لجهلك إن جفوت معلماً

* أخصائي أنف وأذن وحنجرة - مستشفى النور التخصصي

dr.babkour@gmail.com