-A +A
"عكاظ" (النشر الالكتروني)
وصلت إيزابيل شولتز، زميلة ما بعد الدكتوراه، إلى المملكة العربية السعودية أوّل مرة برفقة أبويها الألمانيين مانفريد ودوريس حين كانت في عمر خمسة أشهر، حيث كان أبويها قادمين من سويسرا إلى الرياض للعمل، وكانا يعشقان الترحال.

وكان أبوها السيد مانفريد يعمل في شركة Asea Brown Boveri المتخصصة في بيع محركات التوربينات، وبعد ثلاث سنوات، انتقلت إيزابيل وإخوتها ووالداها مرة أخرى، وهذه المرة إلى الجزائر من أجل عمل والدها، وأمضت سنوات نشأتها هناك، حيث الكثبان الرملية التي كانت بالنسبة لها أشبه بحديقتها وملعبها، كما أنها اكتشفت في الجزائر شغفها بالبحر وبالترحال.


أكملت إيزابيل درجة الدكتوراه في علم الأحياء البحرية في معهد ألفريد فيغنر للبحوث القطبية والبحرية في بريمرهافن بألمانيا، وبعد عدة سنوات في بلدة ميربوش الواقعة في شمال غرب ألمانيا، بدأت إيزابيل التخطيط لمسارها الأكاديمي التالي، حيث كانت حريصة جداً على العيش في الخارج مرة أخرى، فتشكلت في ذهنها ملامح رحلتها الجديدة بعد نقاش خاضته مع صديق تخرّج أيضاً من المعهد ذاته.

تقول إيزابيل: "سمعت أول مرة عن جامعة الملك عبدالله عبر صديق سابق في الكلية في ألمانيا كان قد بدأ التحضير لدرجة الدكتوراه هنا في الجامعة، أردت حقاً الخروج واستكشاف شيء مختلف، لذلك اتصلت بصديقي فشجعني على الاتصال بباحث كان يعمل في مجال عملي، اسمه خابيير إريكويان، وهو المدير السابق لمركز أبحاث البحر الأحمر في الجامعة".

وأضافت: "وبالتالي فإن الفضل يعود إلى خابيير في منحي فرصة الانضمام إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عام 2014، وعندما غادر، بدأت العمل لدى البروفسور كارلوس دوارتي والأستاذة سوسانا أغوستي من مركز أبحاث البحر الأحمر في العديد من المشاريع، وأنا ممتنة جداً لكل من خابيير وكارلوس وسوسانا على ذلك".

العودة إلى المملكة

في مايو 2017، جلس كل من مانفريد ودوريس على طاولة مطبخ منزلهما في ميربوش لتخطيط رحلتهما السياحية القادمة، والتي كانت هذه المرة لزيارة ابنتهم إيزابيل في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وما قد يبدو رحلة شاقة بالنسبة لأناس في نصف عمرهما، هو مجرّد مشوار اعتيادي بالنسبة للزوجين المغامرين اللذين سافرا بالفعل خلال خمسين عاماً من الزواج عبر 90 بلداً؛ قادا سيارتهما عبر طريق الحرير من ألمانيا إلى الصين، وعبر الأمريكتين؛ وارتحلا عبر آسيا طولاً وعرضاً، وقاما برحلات منتظمة في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.

يقول مانفريد: "منذ التقينا أوّل مرة، كنّا أنا وزوجتي خارج البلاد دائماً، اعتدنا على الطريق والترحال منذ سن مبكرة".

استقلا في رحلتهما الأخيرة إلى جامعة الملك عبدالله سيارة تويوتا لاند كروزر تبلغ من العمر 12 عاماً، فقطعا أكثر من 9 آلاف كيلومتر عبر البلدان والقارات والسهول والتلال والبحار والصحاري، وتولّت دوريس القيادة وتولّى مانفريد الملاحة، كما كان الحال دائماً منذ التقيا أول مرة في سويسرا منذ 50 عاماً.

انقسمت رحلتهما تقريباً إلى مرحلتين، مضت بهما المرحلة الأولى من ميربوش إلى باساو، وهي مدينة ألمانية تقع على الحدود النمساوية؛ دخولاً إلى شرق كرواتيا عبر سلافونسكي برود؛ ومن ثم عبر نيش، ثالث أكبر مدينة في صربيا، قبل مواصلة المسير صوب جنوب تركيا، اجتازا تركيا في غضون أربعة أيام من أدرنة في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد صوب دوغوبيازيد في المنطقة الشرقية.

فيما مضت بهما المرحلة الثانية عبر الشرق الأوسط إلى دبي، ثم عبر الإمارات العربية المتحدة إلى العاصمة السعودية الرياض، وفي الرياض، أعطى الزوجان سيارتهما فترة راحة قصيرة قبل أن يتجها ليعبرا مساحة واسعة من شبه الجزيرة العربية غرباً للوصول إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في 11 أبريل 2018، أي بعد 21 يوماً فقط من مغادرة منزلهما في ألمانيا، حيث قادا لمسافة 963 كيلومتراً، من الرياض إلى جدة، في يوم واحد!

رحلة ملهمة

وفي إطار التحضير لرحلة والديها، طلبت إيزابيل شولتز من فريق الشؤون الحكومية بجامعة الملك عبدالله أن يكتب خطاباً باللغة العربية، يحدد مسار الرحلة تحسّباً لأية مشاكل قد تحدث على الطريق، ومع ذلك، فهم لم يواجهوا أي مشاكل، فقد صادفوا فقط أناساً طيبين ومتعاونين وبشوشين بحسب قولهم.

يقول مانفريد: "عبرنا أوروبا مروراً بالنمسا وصربيا وكرواتيا وتركيا، ثم فجأة أصبحنا في منطقة الخليج وعبرنا الحدود إلى السعودية".

ويضيف: "كنا شبه الوحيدين الذين يعبرون الحدود، باستثناء بعض السعوديين الذين يعبرون بسياراتهم، وكانت هناك مساحة كبيرة لاستقبال الزوار، فضلاً عن منطقة مخصصة للحجاج، لكننا كنا الوحيدين فيها. شيء مذهل".

ولتلافي أي سوء تفاهم محتمل مع رجال الحدود السعوديين، احتفظ مانفريد في جيب قميصه برخصة القيادة السعودية التي تعود إلى أكثر من 30 سنة.

ويقول: "عرضت عليهم رخصتي القديمة فضحكوا، كانوا مسرورين جداً بها وكانوا سعداء جداً بأن تمكنوا من فهم اسمي باللغة العربية، فقدموا لنا على الفور الشاي والقهوة والتمر، كرم الضيافة كان مدهشاً، وهذا لم يتغير منذ زمن وجودنا في هذه البلاد أول مرة".

وعند سؤالهما عن رحلتهما إلى جامعة الملك عبدالله، وما إذا كانت مهمة شاقة، هزّ دوريس ومانفريد أكتافهما دون مبالاة، كانت الرحلة ـ رغم كونها فريدة ـ مجرد إضافة أخرى إلى مجموعتهما ولم تكن شاقة أبداً.

كلمات فراق

لدى والدي إيزابيل 60 يوماً إضافياً في رحلتهما التي تستغرق 110 أيام من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، حيث يخططان للقيام بجولة في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان قبل أن يعودا إلى ميربوش، تركا جامعة الملك عبدالله بعد أن أثارت إعجابهما، تماماً كأوّل مرة زاراها في العام 2015.

تقول دوريس: "جامعة الملك عبدالله فريدة من نوعها، فقد تأسست من الصفر، من مجرّد رؤية، وأعتقد أن لها دوراً مهماً في عالم العلوم".

وتضيف: "نحن بالطبع، مع إيزابيل، فخورون جداً بوجودها هنا منذ ما يقرب من أربع سنوات".

يقول مانفريد: "التطوّر في المملكة هائل".

وأضاف: "لكنّك إذا نظرت إلى مدن مثل الرياض وجدة ومنطقة الدمام، تجد أن الناس لم يتغيروا كثيراً، لقد حافظوا على سجيّتهم، ولم يفقدوا شخصيتهم".

تعتقد إيزابيل أن الوقت الذي أمضته في جامعة الملك عبدالله جعلها ذات شخصية أقوى وأكثر قدرة على التكيف والاستقلالية، وبوصفها عالمة أحياء بحرية، كان البحر الأحمر مختبراً طبيعياً لا مثيل له، إلى جانب مختبرات البحوث المتطورة، من الأسباب الرئيسية لالتحاقها في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.

وحيال المستقبل، ترى إيزابيل أن دورها يتقدم أكثر نحو إدارة العلوم ودعم نظرائها الأكاديميين.

وأكدت: "مثّلت لي الجامعة تجربة فريدة خارج بلدي، إذ تعلمت كيفية التعامل مع الكثير من السيناريوهات المختلفة، إنّ التعامل مع مجموعة من المهام جعلني شخصاً أقوى وأكثر مرونة بآن معاً".

كما أن إيزابيل تشعر أن وجودها في المملكة العربية السعودية كان بمثابة طريقتها في مواصلة تقاليد عائلتها.

وقالت: "أسير في الحلقة ذاتها، وأكرر حكايتنا، أعود إلى جذورنا، إلى المملكة العربية السعودية".