-A +A
طارق فدعق
من لحظات الفخر التي لن أنساها كانت عند إشادة قائد العمليات الجوية في حرب الخليج الجنرال الأمريكي «تشارلز هورنر» بقدرات الطيارين السعوديين. وتحديدا، فكان يصف عمليات قصف لمدرجات مطارات حربية عراقية في بداية عمليات حرب الخليج عام 1991. وكان بواسلنا يقودون طائرات «تورنيدو» الأوروبية الصنع، وأصابوا وسط مدرجات مطارات حربية بدقة أذهلت الجميع على الهواء مباشرة. وهذه الطائرة هي أحد المكونات الرئيسة للأسطول الجوي لقواتنا الجوية، وبدأت في الخدمة في القوات الجوية منذ حوالى ثلث قرن، وكانت سابقة لزمانها. صممتها إنجلترا، وألمانيا، وإيطاليا لتكون أفضل مقاتلة وقاذفة متعددة المهام أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في نهاية السبعينات. وكانت مصممة أساسا لعمليات الردع النووي. وتحديدا لحمل قنابل نووية لمواجهة التهديدات السوفيتية ضد حلف الأطلسي «ناتو». وكانت فريدة في العديد من خصائصها: صممت ليقودها طيار وملاح، ويدفعها محركان قويان جدا، وجناحها كان تحفة هندسية: أولا كانت تتغير زاويته حسب احتياجات الطيران من 25 إلى 45 إلى 67 درجة لتكوين منصة ثابتة وراسخة حسب متطلبات السرعات سواء كانت بطيئة أو عالية، وحسب متطلبات الارتفاعات سواء كانت منخفضة أو شاهقة. وتحديدا، فتتميز التورنيدو بالطيران على ارتفاع أقل من ارتفاع مبنى أمانة جدة، وبسرعة تفوق طول حوالى مائة وأربعين سيارة «لاند كروزر» في الثانية الواحدة، في الظلام الدامس. وهذه ميزة رائعة لأنها تسمح بتفادي أجهزة رادار العدو بسهولة. وأما على ارتفاع 12 كيلومترا فتستطيع أن تطير بما يعادل ضعف سرعة الصوت بكل ثبات... يعني أكثر من ضعف سرعة وصول الكلام من فمك إلى ميكروفون هاتفك الجوال. وتتمتع بمنظومة تحكم وتصويب متطورة جدا، ودرجة دقة عالية جدا حتى في ظروف الرؤية شبه المعدومة... كأنك تطالع في كوب سحلب. وهناك المزيد: فهي فريدة في كونها مزودة بمنظومة مكابح هوائية تعكس الهواء الخارج من محركيها مما يجعلها بمشيئة الله قادرة على الهبوط في مدرجات قصيرة جدا، أو حتى على الطرقات السريعة. وكانت أول مقاتلة تتمتع بنظام تحكم في حركات الطيران الدقيق باستخدام الحواسيب Fly by Wire، وكانت أيضا تتمتع بدقة هائلة في أجهزة التصويب سواء لضرب الأهداف الأرضية، أو في الاشتباكات الجوية، أو في الاستشعار والرصد. وأحد عناصر تميزها أنها كانت الخيار الأول في ضرب قواعد صواريخ «سكود» التي استخدمت أيام حرب الخليج الأولى والتي يستخدمها الحوثيون ومن وراءهم. وبدون أي مبالغة يمكن القول إنها جسدت صفة أقصى درجات المرونة لأي طائرة حربية، أي أنها كانت ولا تزال متفوقة في مهامها المتعددة كقاذفة، ومقاتلة، واستطلاعية.

أمنيــة


المملكة هي من أوائل الدول في العالم في الخبرة القتالية لطائرات التورنيدو، إن لم تكن الأولى. وقد تكونت تلك الخبرة من خلال تجارب حرب الخليج عام 1991، ثم عمليات التحالف ضد الحوثي لدعم الشرعية في اليمن الشقيق. ونحن ثالث دولة في العالم في حجم الأسطول لتلك الطائرة المتميزة. ولكن هناك ما هو أهم من كل هذا، وهو الرجال العاملون على تشغيلها بنجاح. أتمنى أن نتذكر أن طبيعة قواتنا الجوية هي العمل بإخلاص، ودقة، وحرص... ولكنها أيضا تعمل بصمت، وبدون دعاية وتباهٍ. ومما لا شك فيه أن العامل الرئيس في تميز «التورنيدو» السعودية هو عقول، وقلوب، وسواعد المخلصين من أبناء الوطن الذين يشغلون هذه الطائرة المتميزة. أتمنى أن يقدرنا الله على شكرهم

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي