-A +A
سعيد السريحي
كان في مجتمعنا الفقير الذي لا يجد من الملابس ما يغطي به جسده، وكان فيه الفقير الذي لا يجد من الطعام ما يقيه شدة الجوع، وكان فيه الفقير الذي لا يجد ما يصرفه على العلاج إن مسه المرض، غير أنه لم يكن فيه الفقير المشرد الذي لا يجد بيتا يؤويه، كان الحصول على مسكن نصيبا مشتركا للغني والفقير بصرف النظر عن حجم ذلك المسكن وموقعه ومواد بنائه، كان الحصول على بيت أسهل من الحصول على لقمة طعام وقطعة رداء وعلبة دواء، وانتهى مجتمعنا إلى أن من الممكن للمرء فيه أن يأكل ما يشاء حد التخمة، ويلبس ما يريد حد الترف، وإذا ما مرض اتجه لأكثر المستشفيات تكلفة، غير أنه مع كل ذلك لا يستطيع لنفسه سكنا يؤويه، فهو بين خيارين؛ يقضي عمره مستأجرا لا بيت له، أو يقضي عمره يسدد القرض الذي احتاج إليه ليشتري ذلك البيت والذي لن يصبح بيته حتى يسدد آخر قسط بعد عمر طويل.

كان بإمكان المرء أن يبني البيت الذي يسد حاجته وعلى قطعة أرض لا تفيض عن الحاجة إلى ذلك البيت، وتعقدت الأمور بعد ذلك، مغالاة في مساحات الأراضي، وتكلف في مواد البناء، وتنطع في مواصفاته وخطوات تنفيذه، وكأنما نسينا ما كنا عليه من بساطة وجهلنا أن دولا متقدمة من حولنا لا تزال تعتمد البساطة في مساحة الأرض التي يقام عليها البناء وعدم التكلف في حجم المبنى ومواد بنائه.


وزير الإسكان قال مرة إن أزمة السكن أزمة فكر، وهي فعلا كذلك، غير أنها ليست أزمة فكر المواطن بل أزمة فكر المسؤول الذي جعل من قدرة المواطن على بناء بيت أزمة بما فرضه عليه من شروط البناء.