-A +A
علي بن محمد الرباعي
طالب سعودي مبتعث إلى إحدى جامعات الغرب، سأله أستاذه: من أبرز الأدباء في السعودية؟ فأجاب: «طه حسين». عقّب الأستاذ: هل منحته بلادكم الجنسية؟ فتلعثم الطالب.

إشكالية كبيرة عندما ينهي طالب سنوات دراسته الجامعية دون أن يعرفَ اسم أديبٍ واحدٍ من أدباء وطنه! بينما هو يعرف عشرات الأسماء من الوعّاظ والقُصّاص والمنشدين، وبالطبع يمكننا معرفة سبب ذلك.


الجامعة في أي بلد من بلدان العالم هي نواة التنوير، منها ينطلق الوعي، وبها يتطور المجتمع، وفيها تطرح الجدليات الثقافية، وعليها يعوّل في تحسين التعليم، وعبر مناشطها تلتقي كل الفئات على حب المعرفة والانتماء للبلاد.

عندما تأسست جامعة القاهرة للمرة الثانية 1906 استقدم مؤسسها مصطفى كامل كبار فلاسفة وعلماء وأدباء أوروبا لوضع النواة، لأنهم يعلمون أن اللبنة الأولى هي البناء، ونحن نقول في أدبياتنا «العودُ على ركزته»، وجامعة الكويت تأسست عام 1966 فاستعانت بمخرجات جامعة القاهرة، وكان الجهابذة من علماء مصر المستقلين يؤسسون تعليماً نوعياً في جارتنا العزيزة.

بالطبع كانت جامعاتنا عند نشأتها تجمع بين العلم والثقافة، واستعانت بنماذج مضيئة ونادرة في تخصصاتها ووعيها وانتمائها، حتى جاءت مرحلة الصحوة وما رافقها من ريبة مرضية على تدين المجتمع تشبه إلى حدّ ما شخصية الزوج المضطرب عندما يعتريه الشكّ في زوجته الطاهرة فيبدأ يتلصص ويتجسس ويلخبط في الكلام والتصرف (وإذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه)، بدافع القلق على الدّين وبسبب تغلغل الإخوان هُجّر ألمع الأساتذة، وتجاهل المستريبون أن الله هو مصدر الرسالة المحمدية وحافظها ومظهرها على الدين كله.

ليعذرني عمداء وعميدات شؤون الطلاب والطالبات في جامعاتنا في طرح أسئلة، وهم عندي موضع ثقة وإجلال واحترام، ولا تشكيك في وطنيتهم مطلقاً، إلا أني أسأل: «ما هي الجامعة التي استضافت عمادتها المفكّر إبراهيم البليهي، أو الناقد الدكتور عبدالله الغذامي، أو الدكتور سعد البازعي، أو الشاعر محمد العلي، أو الشاعر عبدالله الصيخان، أو محمد زايد الألمعي»؟ ولماذا طيلة عقود كانت الدعوات لنظّامين تقليديين، ووعاظ تياريين، أليست مفردات المناهج في الجامعات النظرية كلها لتعزيز العقيدة، وتنمية التديّن؟ ألم يمكن أن تكون جامعاتنا لنا جميعاً، فالعلم موضوعي، والتديّن ذاتي.

أعذر ذلك الطالب المبتعث الذي أجاب بأن طه حسين أديب سعودي.