-A +A
إبراهيم عقيلي
كل الآفات تسهل مقاومتها، وكل أنواع الفساد من الممكن إعلان الحرب عليها وتطهيرها بقوة النظام وسلطة القانون، إلا أن يتحول الفساد إلى ثقافة حينها يصعب اقتلاعه من المجتمع، لأنه استحال إلى ممارسة يومية وثقافة مجتمعية، ومسألة التطهير باتت مرتبطة بتغير المفاهيم وتقويم السلوك. الاستئصال وحده لا يؤدي إلى نتيجة لأنه حتما سيظهر مرة أخرى، فالفكر السائد كفيل بإعادة الآفة إلى السطح مع أول فرصة، لذلك يحولون الرشوة من دهاليز الجريمة ويضعونها على طاولة التعاملات اليومية ليسهل هضمها، ولا تتطلب المهمة قوة خارقة بل تغييرا في المصطلحات، فلا نقول رشوة بل «كمسيون»، أو عمولة أو إكرامية أو حلاوة. كل تلك المفردات ستلبس الجريمة ثوب الصلاح، وستسهل على الفاسدين إقناع الشارع بها.

وهذا ما أخشاه في ظاهرة رشوة الحكام، بأن تصل إلى ثقافة سائدة بين الحكم ورئيس النادي، فلا عيب في أن نتفاوض على نتيجة مباراة، فهي من باب المصالح والتعاون لجلب البطولات. لو بلغ الأمر إلى هذا الحد فيعني أننا أمام مرض عضال يجب اقتلاعه من جذوره، وإعادة البناء من جديد، ومواجهة الثقافة بالرقابة من جهة، وتغيير المفاهيم من جهة أخرى.


بيان اتحاد القدم حول قضية الحكم فهد المرداسي إذا كان دقيقا يعني أن الحكم تجرأ على مفاوضة رئيس ناد برسالة «واتساب» مقدما خدماته دون خوف من عقوبة أو غيرها، فلا يجرؤ موظف عام على هذا السلوك إلا إذا سمحت الساحة بذلك التجاوز، وكأن الأمر متعارف عليه تحت بند «العمولة»، والأمر قابل للقبول أو الرفض.

قصة اتحاد القدم التي أعلن عنها مخيفة للغاية، في مجملها تشير إلى أن بيع نتائج المباريات أمر مألوف، وثقافة سائدة، ومن أراد البطولات فعليه أن يدفع مقابلها.

وكل ما يردده المدرج من أندية تشتري البطولات وحكام يبيعون على عين التاجر، أمر صحيح لا غبار عليه.

إلا إذا كان بعض من فصول القصة لم يظهر بعد، ولكن إذا سلمنا ببيان الاتحاد السعودي لكرة القدم فنحن أمام معضلة كبيرة يجب مواجهتها بقوة واقتلاعها من أعماقها لأنها استفحلت وكبرت إلى الدرجة التي يتجرأ فيها حكم بإرسال رسالة قد تدينه وتوقعه في قضية رشوة تهدد مستقبله.

حينها نعود إلى معضلة المفاهيم المجتمعية التي حولت الكثير من الجرائم الأخلاقية إلى ممارسات يومية تحت غطاء المصالح والمنافع.

المشهد لم ينته بعد، فالنيابة طرف قضائي سيباشر التحقيق، و«فيفا» طرف خارجي سيطلع على ملف القضية، ولو أدانت كل الأطراف المتهم، فنحن لسنا أمام مشكلة فردية سينال صاحبها العقاب، لا.. نحن أمام ظاهرة كبيرة تجذرت في ملاعبنا وحولها الفاسدون إلى ثقافة تمارس عند النهائيات، وكأنها جزء من تعاقدات الأندية مع اللاعبين المحترفين، ولكن هذه تعاقدات مع حكام احترفوا الجريمة إلى حد الجرأة في المساومة.

حينها أقول لهيئة الرياضة، أعانك الله، الأمر في غاية الصعوبة، الردع وحده لا يكفي، فالساحة بحاجة لتدريس منهج الأخلاق والأمانة، وتغيير المفاهيم السائدة، فالإكرامية رشوة، والعمولة فساد، والحلاوة تؤدي إلى السجن.