-A +A
محمد أحمد الحساني
تعتبر المحكمة العامة بمكة المكرمة «الشرعية» سابقاً أقدم المحاكم في المملكة على الإطلاق، فعمرها في العهد السعودي يبلغ نحو تسعين عاماً، ولكنها وجميع فروع وزارة العدل من كتابات عدل ومحاكم عامة وجزائية واستئناف وأحوال شخصية وغيرها من الجهات العدلية، لم تزل تمارس نشاطها في مبانٍ مستأجرة وتنتقل من مبنى مستأجر إلى آخر مستأجر، ومعظم تلك المباني هي في الأصل عمارات سكنية تقع على شوارع لا يجاورها مواقف كافية لسيارات المراجعين كان آخرها المبنى الموجود على الخط الدائري القريب من كدي، أما بقية فروع المحاكم بأنواعها وكتابات العدل وفرع الوزارة فهي متناثرة على عدة مبانٍ في مواقع مختلفة بالعاصمة المقدسة.

وقد بلغني أن المحكمة العامة سوف تستأجر قريباً مجمعاً ضخماً في مخطط الخالدية رقم واحد بنحو عشرين مليون ريال في العام الواحد وتعود ملكية المبنى لرابطة العالم الإسلامي «هيئة الإغاثة الإسلامية»، وليس لدي ملاحظة على استئجار هذا المبنى أو غيره من المباني المخصصة لمناشط بقية المحاكم وكتابات العدل، ولكن العجيب في أمر الدوائر العدلية بأم القرى أن الصحف المحلية تنشر منذ عدة عقود أخباراً متواترة عن وجود مشروع كبير لإنشاء مجمع متكامل وشامل للدوائر العدلية بمكة المكرمة أسوة بما أنشئ من مجمعات عدلية في مدن ومحافظات أخرى، وكان في تلك المشاريع خدمة للمراجعين وتنظيم لأعمال الدوائر العدلية، واختصار لزمن دوران المعاملات فيما بينها، وترشيد للأموال المنفقة على استئجار نحو عشرة مقرات كل واحد منها بالملايين سنوياً، كما هو الحال بالنسبة للمقرات المستأجرة منذ الخمسينات الهجرية حتى تاريخه، ولو جمع ما أنفق من إيجارات على الفروع العدلية بالعاصمة المقدسة خلال ثلاثة عقود فقط من الزمن لبلغ مئات الملايين، نصفها كان يكفي لبناء أضخم مجمع للدوائر والمحاكم والإدارات التابعة لوزارة العدل.


وكانت الصحف قد أشارت قبل نحو أربعة عقود إلى مشروع للدوائر العدلية بحي القشلة بأم القرى رصد له مبلغ خمسمائة مليون ريال للبناء والتأثيث لأن أرض القشلة حكومية واسعة وتقع على أربعة شوارع، ولكن المشروع توقف لظهور مالك للأرض، فبقي المبلغ أمانة في وزارة المالية ثم نشر في الصحف قبل عقدين أن أرضاً مناسبة في حي العوالي بمكة المكرمة قد وقع عليها الاختيار لإنشاء المجمع لاسيما أن الموقع قريب من سكن العديد من القضاة، فالعوالي حي راقٍ وفسيح، ولكن السنوات تمضي دون أن نرى المجمع الذي وعدنا به، فيما نهضت بجوار الموقع وقريباً منه منشآت صحية مثل مستشفى النساء والأطفال، ومدينة الملك عبدالله الطبية ومستشفى قوى الأمن الداخلي، وقد تقلب على كرسي وزارة العدل عدد من الوزراء الفالحين، الذين كانت لهم لمسات إصلاحية في المسيرة العدلية ولكن المجمع لم يتحقق في عهد أي منهم ولعل لهم عذر ونحن نلوم يا عبدالقيوم!

* كاتب سعودي

mohammed.ahmad568@gmail.com