-A +A
جميل الذيابي
ظهر التباين والاختلاف في مواقف الدول الخليجية من الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأمريكي منه. 3 دول (السعودية، الإمارات، والبحرين) عبرت عن موقف موحد في بيانات منفصلة، و3 دول كانت بمواقف أخرى تحاول فيها «إمساك العصا من الوسط».

ما هو موقف دول الخليج من قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الصفقة النووية بين إيران والغرب ودول 5+1، وإعادة فرض العقوبات على طهران؟


هذا سؤال تحتمه طبيعة التحديات المتمثلة في قرار واشنطن، وسلوكيات إيران العدائية تجاه المنطقة.

ولكن هل المنطقة متحدة في مواقفها من التدخلات والتهديدات الإيرانية؟

طبعاً لا! والأسباب كثيرة، وتبعاً لذلك جاء التباين في المواقف. فقد كانت السعودية والإمارات والبحرين واضحة وشجاعة في تأييدها قرار الرئيس دونالد ترمب دون مواربة أو تحايل لغوي إنشائي لا ينطلي على كل مراقب سياسي.

فهذه الدول الـ3 هي أكثر من تستهدفها إيران بالتدخلات والمؤامرات ومحاولات التطويق وتوسيع النفوذ والهيمنة. وفي حال الإمارات، لا تزال إيران تحتل 3 جزر إماراتية في انتهاك سافر للقانون الدولي، وقواعد حسن الجوار وترفض حتى التحكيم في محكمة العدل الدولية.

وفي حال البحرين يندر أن يمضي يوم بدون أن تحاول إيران زعزعة أمن واستقرار واستقلال هذه الدولة الخليجية العريقة في عروبتها وانتمائها الخليجي.

أما بالنسبة إلى السعودية، فيكفي تجنيد إيران المتمردين الإرهابيين الحوثيين لاستهداف التراب السيادي السعودي بالصواريخ الباليستية الإيرانية، ومحاولات التسلل التي تنتهي بتدمير العناصر التي تنفذها، إضافة إلى محاولاتها المستميتة في بث الكراهية والفوضى عبر تجنيد طابور ينتمي لأيديولوجيتها العقدية والثورية.

وبالنسبة إلى قطر، كان رد فعلها على قرار ترمب مضحكاً حقاً، ولا يخلو من محاولة التذاكي كعادتها بلغة إنشائية. فقد ذكرت أن الأولوية عندها هي لخلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وهذا كلام معلوم للكل، فهي غير قادرة على انتقاد القرار الأمريكي، وفي الوقت نفسه غير قادرة على انتقاد «ربيبتها» «شريفة» التي تمنّ عليها بالمواد الغذائية المنتهية الصلاحية. وهو شلل في السياسة القطرية لن تنهض منه طالما استمرت في سلوكها المراهق المؤذي، منذ صعقتها الدول الـ4 الداعية لمكافحة الإرهاب بالمقاطعة في 5 يونيو 2017، وجعلتها في مرمى المجهر الدولي لمراقبة تصرفاتها وأعمالها المؤذية.

أما بالنسبة إلى سلطنة عمان، فقد كان موقفها يتسم كعادته بما يمكن أن نسميه «الغموض التكتيكي». ويمكن إيجاز بيان وزارة الخارجية العمانية بشأن القرار الأمريكي في أن السلطنة اكتفت بـ«متابعة هذه التطورات»!، ولا بد أن القرار أخذها على حين غرة، فهي التي مهدت أرضية الاتفاق النووي مع إيران، باستضافتها المفاوضات السرية الأولية بين طهران وواشنطن، قبل انتقالها إلى فيينا، إذ توجت بإبرام الصفقة في عام 2015.

وبالنسبة إلى الكويت، فإن ما توصلت إليه بعد درس القرار الأمريكي هو أنها - بحسب بيان رسمي - تتفهم القرار الأمريكي. والمواقف الثلاثة يمكن تصنيفها في خانة «مسك العصا من منتصفها». فهذه الدول الـ3 لا تريد أن تخسر إيران خشية منها وحرصاً على مصالحها مع طهران. وهي في الوقت نفسه جاهزة للتنديد بإيران في كل بيان تصدره قمة خليجية أو عربية. وهي من وجهة نظري معانٍ تلغي تماماً مضمون المصير الواحد، والاتحاد بمواجهة التهديدات والتدخلات والتحديات. بل يعني أن بعض الدول الخليجية لم يهمها قط أن إيران اعتبرت غداة توقيع الصفقة النووية في 2015 أن الاتفاق يطلق يدها لتهيمن على المنطقة العربية، وليس الخليج وحده، تحقيقاً لوهم إحياء الإمبراطورية الفارسية المُبادة. وكان تخريبها في اليمن وتغلغلها في سورية والعراق ولبنان تدشيناً لذلك الفهم المُروع للاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ وهي تعمل بناء على اعتقاد بأنها حين تكمل مد شبكة نفوذها في الشرق الأوسط ستكون قد دخلت «النادي النووي»، ولن يبقى لها سوى أن تدمر المنطقة والعالم بالسلاح النووي الذي تطمح إليه.

ولم يصدر عن أي من الدول الـ3 المذكورة موقف بشأن الثغرات التي يعاني منها الاتفاق النووي، فهو لم يتطرق لسياسات إيران الخبيثة لزعزعة الاستقرار في العالم، ولم يتناول برنامج الصواريخ الباليستية التي تستهدف الأبرياء والمنشآت المدنية في المدن السعودية. كما أن ثغرته الكبرى تتمثل في أنه لم يرسم خريطة لما يتعين الاتفاق عليه بعد انقضاء أجل الصفقة.

ورأينا في حالة قطر كيف أدى ذلك الانفصام في التفكير إلى درجة التورط الدامي ضد السعودية والإمارات والبحرين من خلال مناصرة وكيل إيران في اليمن عبد الملك الحوثي، وتزويده بإحداثيات قوات التحالف في اليمن، ونشر التطرف.

الأكيد أن «التغبيش» أو التمييع السياسي ليس صناعة سعودية، لأن المملكة ليس لديها غير مصالحها المعلنة مع الأسرة الدولية. وهي جاهزة ومستعدة لكل المفاجآت التي قد تنجم عن المواقف «المنفصمة». وحين لمست أذى إيران وخطرها وتهديدها عمدت إلى قطع علاقاتها معها، بل مواجهتها لحماية أمنها واستقرارها والدفاع عن أشقائها الخليجيين، فهي لن تقبل المس بكرامة أهلها ووزنها والحرب على أمنها والتحايل على العقوبات الدولية. ولذلك تكسب تقديراً دولياً وإقليمياً لسياساتها الحازمة الصلبة... والواضحة التي لا مساومة فيها يساندها أشقاء صادقون مثل الإمارات والبحرين.