-A +A
علي بن محمد الرباعي
الجدّة رفعة من الجدات النادرات، تتميز بكف معطاءة، لأولادها ولأحفادها، ولأهل القرية، اشترت بقرة دافع من سوق رغدان، ومنذ ولدت البقرة وهي تحلبها وتمخض وتزبد، وتوزع اللبن والسمن على المعلمين في المدرسة، وكل صباح ترسل أحفادها بغضارة لكبير سن أو ذوي قربى، ولا تحرم المرضى، ولا الجيران، حتى أنها تسفح من لبنها في الأرض لأرواح تظنهم محلقين بها.

اعتادت عندما ترد على العشاء وعادة ما يكون خبزة أو دغابيس أو عصيدة أن تقطع قطعة صغيرة وهي تقول «هاكم في عيونكم» فيتلفت الصغار مع من تتحدث، ثم تبسمل: وتردد «اللهم اجعله إلى أرواح أهلنا أجمعين، والمؤمنين من الثقلين». وكان الأحفاد يتنافسون على النوم معها ففي صدرها حنيّة تستوعب كل البشر، وفي ملابسها وفراشها رائحة تنتعش بها الأرض والسماء.


مرّ ببيتهم سائل عابر فنهره حفيدها، فصاحت عليه، أعقب. أعقب، سأل: وشبك يا جدة؟ أجابته: كيف تنهر السائل الغريب، ما تدري أن ذولا ملائكة يبعثهم الله لاختبار الشيمة في الناس، واستعادت السائل، وأخرجت من معصب رأسها نصف ريال معدن ومدّت له به.

كانت تسمر مع الحفيد أيام الاختبارات حتى منتصف الليل، وتوقظه الفجر، وتزوده بحبات من التمر، وترافقه إلى الباب محفوفاً بالدعوات، وتوصيه أن يكتب على سعته، حتى يأخذ الأول وتتباهى به بين نساء القرية، وتعده إن تفوق بالمهباط معها فوق حمارتها إلى سوق الخميس.

جاء حفيدها مهرولاً من المدرسة وفي يده شهادة الابتدائية، وقبل أن يسترد أنفاسه، قالت: بشّرني؟ أجابها: الأول، فاحتضنته، وقامت إلى سحاريتها، وأخرجت المفتاح المعلق بحبل في رقبتها والمدلى على صدرها، كان الحفيد يركز نظره ليعرف ماذا تحتوي عليه الخزانة الخشبية، وهي تصده بكتفها قائلة: وخّر وراك يالدواج وش تتلمح تحسب معي غلّة.

رصد الإقط، والسمن، وربع تنكة حلاوة طحينية، ومدت له بأربع حبات حلاوة عسلية، لكنها نسيت مع العجلة أن تشبك القفل في الحلقة، فغافلها عندما خرجت تتوضأ، وفتح السحارية، والتقم من تنكة الطحينية، ومن التمر والسمن، وسرعان ما انتبهت، وعرفت أنه ختلها، فوضعت أصبعها في فمه، وطعمتها، فمسكت بإذنه، مرددة: «اخس ياللواق، والله لبعد تبيع البلاد». علمي وسلامتكم.