-A +A
محمد أحمد الحساني
نشر في الصحف المحلية في الآونة الأخيرة أن شركة زراعية في منطقة الجوف قد دخلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية لأنها تملك مزرعة للزيتون تحتضن خمسة ملايين شجرة، وأن هذه المزرعة تعد الأكبر في العالم من حيث المساحة وعدد ما بها من أشجار الزيتون.

وقد سرني ما قرأته عن دخول تلك المزرعة الموسوعة العالمية، وكنت أسمع عن وجود منتجات لها في الأسواق المحلية سواء من حبات الزيتون أم الزيت بعد العصر، ولكن لدي في الوقت نفسه بعض التساؤلات حول ما نشر أوجزها فيما يلي:


أولاً: إذا دخل الواحد منا بقالة كبيرة وبالأخص «سوبر ماركت» وتجول في قسم الزيتون ومنها زوايا زيت الزيتون فإنه قد يجد أمامه مائة نوع تمثل مائة شركة عربية وأوروبية تملأ الأرفف بعبوات مختلفة الحجم والوزن فأين هي منتجات تلك المزرعة للزيتون والأشجار التي بلغت خمسة ملايين شجرة، وما هي نسبة إنتاجها المباع إلى ما يباع من زيتون وزيت زيتون قياساً بالأنواع الأخرى التي تغرق الأسواق حتى لا يكاد المشتري يتبين من بينها موقع زيت وزيتون تلك الشركة الوطنية؟

ثانياً: إذا كان معظم إنتاج المزرعة من الزيتون وزيته موجهاً إلى الخارج في الوقت الذي يستورد فيه الوطن النسبة الغالبة من احتياجاته من دول عربية وأوروبية مثل سوريا ولبنان وتونس وفلسطين وإسبانيا وإيطاليا واليونان على سبيل المثال، فهل يعود ذلك إلى رغبة المزرعة في تحصيل أرباح أعلى من تصدير إنتاجها، وكيف لم تساهم مساهمة فعالة في بيع معظم الإنتاج وبأسعار معقولة ومنافسة في السوق المحلية وتخصص الثلث والثلث كثير للتصدير إلى الخارج، وإذا كانت تفعل ذلك أي أنها توجه معظم إنتاجها إلى السوق المحلية وبأسعار منافسة للزيت والزيتون العربي والأوربي فهل «العلة» في التسويق أم في عيوننا العسلية التي لا ترى أمامها سوى المنتجات القادمة من خارج الحدود، التي توجد حتى في أصغر بقالة أو دكان في أصغر شارع أو زقاق في أي حي من الأحياء على مستوى مدن ومحافظات الوطن، مع أن تلك المنتجات قادمة من الخارج ومزارعها تقع على بعد آلاف الكيلو مترات ويحتاج الوصول إلى أراضيها عدة ساعات بالطائرات.

ثالثاً: هل أخذ في الحسبان ما تمثله زراعة أشجار الزيتون التي تحتضن مزرعة واحدة منها خمسة ملايين شجرة من استنزاف للمياه الجوفية التي ظلت مخزنة مئات وربما آلاف السنين في جوف الأرض نتيجة تساقط الغيث، وهل سيعيد مثل هذا التوسع والتباهي به لدخول الموسوعات ما صاحب التوسع في زراعة القمح من تباهٍ، حتى أدى ذلك التوسع إلى استنزاف ثروة مائية ناضبة، فكان القرار الحكيم بوقف زراعة القمح وغيره من المزروعات «الشافطة» للمياه الجوفية العذبة، مع وجود مطالبة بعدم التوسع في زراعة أنواع أخرى تستهلك المياه ويفيض إنتاجها عن حاجة الوطن عدة مرات مثل التمور والألبان، حتى قيل إن إنتاج لتر من الحليب أو اللبن يقتضي استهلاك عدة لترات من المياه العذبة المكنوزة في جوف الأرض في بلد صحراوي تعتمد معظم مدنه على تحلية المياه المالحة.. ولله في خلقه شؤون!

* كاتب سعودي

mohammed.ahmad568@gmail.com