-A +A
أريج الجهني
في أمسية الرحيل، أو كما أسمتها عكاظ «تأبين تركي السديري»، وقفت الصحيفة على أطلال رائد الصحافة من خلال تقديم أمسية ثقافية مترفة بضيوفها الكبار سواء من كانوا بين المتحدثين أو الحاضرين، تحدث من خلالها عدد من النخب وهي تظاهرة أدبية وإنسانية نكاد نفتقد وجودها في حياتنا كمجتمعات تجيد الاحتفال بماضيها دون أن تلتفت لصناع حاضرها إلا بعد رحيلهم!

حيث تحدث خالد المالك رئيس هيئة الصحفيين رئيس تحرير صحيفة الجزيرة عن الراحل، وقال «على رغم شعوره بالإرهاق والتعب إلا إنه كان لديه الإرادة القوية والطموح والاستعداد للعمل للسنوات القادمة»، هذه رسالة مباشرة للأجيال الشابة أن لا نتوهم النجاح، وأن لا نكتفي بالموهبة، فالإرادة والعمل والاجتهاد عناصر لا تنفصل عن سير الناجحين وتاريخهم، وهي أيضا تحمل هاجس المالك! وكأنه يفكر بصمت من سيحمل إرثي؟ هل يدرس طلاب الجامعات السعودية سير الصحفيين والمثقفين المعاصرين أو حتى الراحلين؟


هكذا نقرأ أدب الرحيل والوفاء، فمن جانب عكاظ أعلن رئيس تحريرها جميل الذيابي عن مقترح بأن تكون هناك جائزة سنوية للصحافة تحمل اسم تركي السديري، بحسب حديث بينه وبين زميله الدكتور أحمد اليوسف، بل تطوع لاستضافة عكاظ أمانة الجائزة والبدء بها، وأوضح أهمية هذه المناسبة وأهدافها المتنوعة، والتي تزامنت أيضا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة.

لم يتخل جميل عن مسؤوليته في تعزيز المهنية، بل أرسل رسائل مباشرة للصحفيين عن أهمية تنمية مفهوم «التجمع المهني»، وهو مفهوم يمارس بالمحيط الثقافي الغربي والأكاديمي، حيث يجتمع الأنداد في التخصص متحابين مقارعين نخب المعرفة محترمين جهد كل منهم، هذه الفلسفة المهنية جاءت واضحة وصريحة في أمسية «عكاظ».

لكن ما لم يقله جميل هو ما نريد أن نقوله نحن كجيل قادم، بل نشعر به، ألا وهو «الهلع الثقافي»، الهلع من أن يعيش المثقف على الهامش مهما كان له وضع اجتماعي أو أكاديمي، فإن الوسط الحقيقي للمثقف هو عقول الناس وأذهانهم.

القوة الثقافية هي أن تشخص في ذاكرة مراهق كنموذج، أو أن تتبعك فتاة بفهمها ووعيها وتنمو وتزدهر.

المثقف السعودي، حقيقة ما زال يرزح تحت مثقلات العيش أو وصايا المجتمع واضطهاد أفكاره أحياناً!

مهام الصحافة لا تقل عن مهام الدفاع والأمن، بل هي من أدوات الحرب الباردة كما وصفها الكاتب والصحافي الأمريكي الشهير والتر ليبمان، ويقال إنه أول من قدم هذا المفهوم وهو من منظري أفكار الرأي العام وله كتاب يحمل ذات الاسم وثقافة الجمهور، وفي فلسفته الفكرية تناول منذ عام ١٩٢٢ مفهوم ثقافة القطيع وكيف يؤثر دور النخب الثقافية ورجال الدولة وتبادلية المنافع والأدوار، فالصحافة ليست فقط إعادة تدوير للخبر بل هي إعادة تصنيع للوعي والمستقبل.

لذلك من المهم بعد مضي هذه الأمسيات أن نلتفت على الحاضرين وأن نحفظ وجوههم جيداً، التحرج من ذكر الأسماء وتقديرهم جزء ظلامي، لا بد أن ينقشع أمام المهنية والتحضر، التأسيس المعرفي للتجمعات الثقافية هو المحك، وحفظ الحقوق للمجتهدين والسابقين هو البداية لوعي وطني رصين علينا أن نرى بوادره من الآن.

* كاتبة سعودية تقيم في بريطانيا

Amaljuhani@ksu.edu.sa