-A +A
عبده خال
لا زلت مستغرباً حيال تأخر ظهور قانون التحرش، فهو القانون الذي تعثرت ولادته كثيراً، وفي كل مرة يقترب من الوضع الطبيعي حتى يتوقف (الطلق) ويدخل المجتمع في حالة الانتظار.

- هل من البد إجراء عملية قيصرية لإخراج هذا القانون؟


في السابق كانت تقال أقاويل واحتمالات تبرر عدم ظهور هذا القانون، من أهمها أنه يخالف أحكام الشريعة وأن المرحلة الاجتماعية لم تصل بعد للتكيف مع ذلك النظام ولكي يحدث نوع من المزاوجة بين التحرش والإيذاء تم استصدار نظام (الحماية من الإيذاء).

ومن حمل راية رفض قانون التحرش هي فئة معينة رفعت حجة أن قانون التحرش يخالف الشريعة الإسلامية، ولم تكن تلك الحجة إلا حجاباً قاتماً يمنع تقدم المجتمع بتجييش نفوس المجتمع ضد المرأة ومع الحياة الطبيعية، وظلت حجة الخشية مرفوعة مع التباكي على تفكك المجتمع وسقوطه في الرذيلة، فيسوقون عدة تهم لمواجهة ظهور القانون مع الرفض التام لأي قانون غربي أو يشابه أو يتقارب مع الأنظمة الغربية في جعل القانون منظماً للعلاقات الاجتماعية، وصرح بعض الدعاة إلى أن القانون سوف يساهم في انتشار الزنا ويفتح الباب على مصراعيه للاختلاط.. وهذه الدعوات كان لها أثر في حينها، ولكون المتحدث عن المجتمع لم تكن إلا فئة واحدة سعت إلى غلق النوافذ فمنعت عمل المرأة ومنعت الاختلاط ومنعت قيادة المرأة لمركبتها، ومنعت أي فعل يحقق التنمية بين جنسي المجتمع، كان هذا حادثاً في ما سبق، وإذا أردنا توصيف ما كان حادثاً فهو الانغلاق الاجتماعي المحمول على رأي فئة وحيدة لا تؤمن بتعددية الآراء وتريد تسيير المجاميع وفق نظرة أحادية وهي دعوة أيديولوجية تستهدف السلطة، وإن ظهرت على أنها دعوة الناس للخير، ولأن الحياة تسير للأمام لم يعد لتلك الفئة تحديد المسار للمجتمع، هذا ما كان يحدث، وما وصلت إليه حتمية الراهن.

وبالتالي وجود نظام التحرش نظاماً إلزامياً، فالمجتمعات المنغلقة (كما كنا سابقاً) لا تحتاج لقانون، إذ تجري الأعراف والقيم محل القانون، أما إذا فتح المجتمع يكون القانون هو العقد الاجتماعي الذي يرضى الناس السير في كنفه حتى لا يعتدي أحد على حرية أحد.

وإذا كان قانون التحرش لا زال في (رحم) الغيب فإن تطور أنظمة البلد تجعل ولادته أمراً حتمياً حتى لو أدى الأمر إلى الولادة القيصرية، أخيراً لا أعرف لماذا يخاف الناس من قانون ينظم العلاقات المتبادلة، فأصل الخوف كل الخوف عدم وجود قانون يحمي الناس من تغول فرد ضد مجموعة.. أو مجموعة ضد فرد.. تقدم الدول بحاجة ماسة إلى قوانين رادعة وحامية للفرد قبل الجماعة.