-A +A
محمد مفتي
سيطر قطاع النفط على أغلب مناحي الحياة في المملكة ومنذ نشأتها، حيث يعد بالنسبة لها شريان الحياة الذي يغذي كافة جوانب الحياة فيها، وقد سيطرت إيرادات النفط على الحياة في القطاعين العام والخاص أيضاً، فإيرادات النفط والتي تم توجيهها للإنفاق الحكومي لم يستفد منها موظفو الحكومة فحسب، بل إنها أفادت القطاع الخاص أيضاً، ذلك أن الدولة دأبت على طرح مشاريع تطوير البنى التحتية وإسناد تنفيذها للقطاع الخاص، وخلال العقود الثمانية التي مضت من عمر الدولة السعودية كان الإنفاق على تلك المشاريع سخياً وباهظاً، وهو الأمر الذي ساهم في تكوين طبقة كبيرة من رجال الأعمال، كما أسهم في تأسيس القطاع الخاص بشركاته ومؤسساته على اختلافها وتنوعها.

في ظني أن إشراك القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع الدولة المختلفة كالبنية التحتية، أو حتى في إطار عملية الخصخصة المزمع طرحها لبعض مرافق الدولة، تحتاج إلى تنظيم أكثر لتحقيق الفوائد المرجوة من هذه العملية، فعلى سبيل المثال لا يُفترض أن تحتكر منشآت قطاع خاص بعينها مشاريع بناء وتشييد (للمرافق الحكومية)، وذلك لأسباب عديدة من أهمها تنشيط العمل لشركات القطاع الخاص الأخرى ليتم تأهيلها كلها لاكتساب الخبرة والمهارة اللازمة لتنفيذ ما يناط بها من مشاريع لاحقاً، كما أن دعم وتقوية جميع منشآت القطاع الخاص من شأنه تطويرها جميعاً على قدم المساواة، فإن انهارت واحدة منها لسبب مالي أو لأسباب أخرى لا يتأثر السوق السعودي بخروجها، وحتى لا يتعطل تنفيذ المشاريع الحكومية بخروج مستثمر ودخول آخر، كما أن تطوير مؤسسات القطاع الخاص بشكل عام يحول دون انهيارها، متسببة في حدوث أزمات اقتصادية لها الكثير من التأثيرات السلبية، أقلها عدم دفع رواتب العاملين بها، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدخل الدولة لإنقاذها والقيام بمهماتها بالنيابة عنها.


أضف إلى ذلك، أنه في حال حدوث ركود اقتصادي بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي الناتج عن التفاوت في أسعار النفط - وهو أمر خارج عن إرادة الدولة - فإن أصحاب رؤوس المال ممن ينشطون في تنفيذ المشاريع العملاقة بالدولة، عادة ما يحجمون عن الدخول في مشاريع جديدة، وهو الأمر الذي يعني تعطل مشاريع البنى التحتية، أو أنهم قد يلجؤون إلى تقليص أنشطتهم مما يعني إنهاء خدمات العشرات وربما المئات من القوى العاملة الوطنية، ودونما مراعاة لأبسط معاني المسؤولية الاجتماعية، وهو ما يعرف بسياسة لي الذراع، وخاصة عندما تقوم الدولة بفرض بعض الغرامات عليهم، سواء كان ذلك بسبب التأخر في التنفيذ أو عدم مطابقة المنتجات للمواصفات المطلوبة أو لأسباب أخرى، وهذا كله يمكن تجنب حدوثه عند بناء قاعدة عريضة من المستثمرين وكذلك عند إشراك صندوق الاستثمارات العامة في بعض مشاريع القطاع الخاص الحيوية.

لعقود طويلة هيمن بعض أصحاب رؤوس الأموال على السوق السعودي سواء في ما يتعلق بصناعة المقاولات أو السيارات أو غيرهما، وذلك خلال فترات الرخاء الاقتصادي، وعلى الرغم من أن حالة الرخاء تلك أنعشت شرائح متعددة من التجار ورجال الأعمال، إلا أن ذلك الازدهار الاقتصادي لم يعم على الجميع، أو بمعنى أدق ليس بنفس المستوى، حيث استفادت بعض شرائح القطاع الخاص بشكل أكثر من الأخرى في توزيع غير متعادل، ومن هنا يبرز تميز فكرة إشراك صندوق الاستثمارات العامة بنسب متفاوتة في بعض مشاريع القطاع الخاص، وهو الأمر الذي ستنتج عنه أهداف إيجابية ملموسة على المدى البعيد، من أهمها أن الدولة ستتمكن من فرض بعض المسؤوليات الاجتماعية على شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وهي المسؤوليات التي يتغنى بها المسؤولون عنه دون أن يقوموا بتحقيقها على نحو مؤثر وجوهري وفعال، فهي لا تزال شعارات يلوكونها لحفظ ماء الوجه وذر الرماد في العيون. إن دمج دماء جديدة من منشآت القطاع الخاص ومن خلال شراكة صندوق الاستثمارات العامة سيساعد على تدوير الأرباح بين مؤسسات القطاع الخاص، وذلك بدلاً من استئثار فئة محددة منهم بتلك الأرباح دون الأخرى، وهو ما يعني في جوهره إنتاج المزيد من المشاريع المختلفة وبكفاءة أعلى.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com