إبراهيم غندور
إبراهيم غندور
-A +A
ياسر عبدالفتاح (جدة) Okaz_online@
أكثر المتفائلين لم يتوقع غير هذا السيناريو الذي انتهى بخروج وزير الخارجية السوداني البروفيسور إبراهيم غندور استشاري وجراح الأسنان الذي وضعته خيارات الحزب الحاكم في السودان لإدارة وزارة سيادية مهمة في الخرطوم. بروز اسم «البروف» لم يأت مصادفة، إذ أحاطت به وبكافة مواقعه السياسية والحزبية التي شغلها كثير من «الشمارات» كما يقول السودانيون، لعل ألطفها تلك الوظيفة التي شغلها رئيسا لاتحاد نقابات عمال السودان، فصار للشغيلة من عمال السكك الحديدية وأصحاب المهن قائدا بدرجة أستاذ دكتور فتجاوز العمال الافتخار به وقد أدركوا وقتذاك أن مجيء غندور زعيما لنقابتهم فرضته ظروف «محاصصة» المواقع الإستراتيجية في الدولة السودانية التي ظلت تواجه العديد من المتاعب مع العمال ومطالبهم الشائكة. اشتهر الوزير المقال، بعواطفه الجيّاشة عند «الابتلاءات»، وظلت مجالس الخرطوم تلح في السؤال عن سر دموعه التي ذرفها مرتين في منتديات صحفية نظمت في يوليو 2010؛ الأولى حين أضحى انفصال جنوب السودان خيارا حتميا فأطلق غندور عبراته على الهواء، وكأنه يأسى على وطن المليون ميل مربع ثم صغر حجمه ومساحته!

وفي أعقاب تداعيات زيارة وعودة الرئيس السوداني عمر البشير من جنوب أفريقيا، والمتاعب التي صاحبتها، عزز البروفيسور غندور دموعه الأولى بأخرى بمجرد هبوطه من الطائرة الرئاسية إذ أحاطت به الفضائيات تسأله عن سر المتاعب فأجابها الوزير بالعبرات فوجد تجار الثياب النسوية في«سعد قشرة» فرصتهم لإطلاق «دموع غندور» على أحدث صيحات الموضة، إذ درج بعض التجار على مجاراة «الأوضاع السياسية» وإسقاطها على سلعهم لحمايتها من البوار!


التهب المقعد الوزاري مرات عدة وخاض غندور موجة من المعارك الداخلية وسط حزبه وفي الخارجية و«حقلها» الدبلوماسي الملغوم وفي فبراير الماضي بلغت به الغضبة أن تقدم باستقالة «مسببة» في اعتراض على ما تصوره من تدخل «جهات سياسية حزبية» في مهماته، ولزم منزله قبل أن تعيده «الأجاويد»، وما كاد الوزير العائد يجلس على مقعده حتى أحاطت به ملفات العلاقة مع مصر.. وشهدت فترة ولايته عودة سفير الخرطوم من القاهرة، الأمر الذي اعتبره خصوم الوزير من نكسات «الحقبة الغندورية».. ثم جاء تعاطي الدبلوماسية السودانية مع ملف حلايب المتنازع عليها بين الجارتين الشقيقتين لتضع الوزير في قلب تجاذبات وتناقضات حزبه الحاكم!

ثم جاءت الطامة حين جاهر وزير الخارجية بالمسكوت عنه أمام البرلمان وهو يعلن و«غمامة» تحتشد في عينيه عن ضائقة مالية حادة تواجه بعثاته الدبلوماسية في الخارج لدرجة عجز وزارته عن سداد إيجارات مقارها، وعزم بعض السفراء العودة إلى الخرطوم بعدما فشلت الخارجية في سداد أجورهم لنحو 7 أشهر، وكعادة السودانيين أمام مثل هذه الأنباء غير السارة، أطلق عشرات المدونين الإلكترونيين نداءات لإغاثة السفراء ومد يد العون لهم وتحويل الرصيد إلى هواتفهم، وبرغم عدم جدية تلك النداءات فإنها لم تمر مرور السلام.. فغضبت، حسبما يتردد، السلطات من مجاهرة الوزير وعدم دبلوماسيته فقررت إقصاءه بعد أقل من 24 ساعة من حديث العبرات.. لن يعود وزير الخارجية المقال إلى عيادته لعلاج مرضى الأسنان، فلربما استدعوه مجددا لشغل موقع قريب الصلة بوظيفته السابقة أو موقع شرفي رفيع.. فـ «الإنقاذ» لا تنسى حمائمها.. وصقورها!