-A +A
سعيد السريحي
الضربة التأديبية التي وجهتها كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا ضد النظام السوري استثارت غضب من لا زالوا يتعثرون في ما كرسته شعارات القومية من أوهام، وما رسخته ادعاءات السيادة الوطنية من تهيؤات، وتناسى أولئك المحتجون على تلك الضربة أن قيمة الإنسان أعلى وأغلى مما ينتصرون له من قومية وما يهتفون به من سيادة، وأن نظاماً يشن حرب إبادة وتهجيراً ممنهجاً لا يمكن أن يبقى حرا طليقا محميا من المساءلة معفيا من المحاسبة، يفعل بشعبه ما يشاء مادا لسانه للعالم هاتفا: شعبي وأنا حرٌ فيه.

المتباكون على القومية تجاهلوا ما انتهت إليه هذه القومية في بلد ظل يكذب على العرب عقوداً من الزمن بشعار «أمة واحدة ذات رسالة خالدة» ثم لم يتورع بعد ذلك أن يحيل حديقة بيته الخلفية والأمامية إلى مسرح يتراقص فيه الفرس والترك ويدق فيه الروس طبول الحرب.


والمتباكون على ما اعتبروه انتهاكاً لسيادة سورية تجاهلوا أنه لم يبق من تلك السيادة إلا «سيادة الرئيس» و«سيادة الحزب» الذي لم يستطع أن يحمي أرضه من أن تصبح مأوى للإرهابيين من مختلف أصقاع الأرض، يستغلون الإسلام ليقيموا على الأرض السورية خلافتهم المزعومة وينظموا ماليشياتهم وجماعاتهم التي استبدت بالشعب السوري فدمرت مدنه ومحت تاريخه ونشرت الرعب في كل مدينة احتلتها ورعت العمليات الإرهابية التي شوهت صورة المسلمين والعرب أجمعين.

المتباكون على أوهام القومية وشعارات السيادة والذين لم يصرخوا احتجاجاً على التدخل الإيراني والاجتياح التركي والضربات الروسية أفاقوا على الضربة التأديبية فانطلقت ألسنتهم شجباً واستنكاراً، وذرفوا أدمعا لم يذرفوها وهم يرون الملايين من الشعب السوري بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ، ولم يشعروا بالأسى وهم يتابعون كيف يجتمع الفرس والترك والروس ليناقشوا مصير ومستقبل البلد الذي ضللنا عقوداً طويلة بشعار الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.